أحمد يغادر في زمن القتامة
أحداث متتالية شهدناها خلال الأيام العشرة الماضية، ملؤها البؤس والقتامة اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً، وتصدرها الغياب المداهم للأخ (الدكتور أحمد بشارة رحمه الله)، بعد تدهور متسارع في صحته لم يمهله سوى أسابيع قليلة ليرحل إلى الدار الآخرة، محدثاً بغيابه صدعاً كبيراً في نفوس أحبته ورفاقه وأروقة وطنه، وكان فراقه خسارة وطنية وعلمية وسياسية واجتماعية لا تعوّض.لاقى (أبو فهد) ربّه موفياً دين وطنه عليه كاملاً، ومخلّفاً فراغاً كبيراً لدى دوائره القريبة والعامة، وحفر حسرة في النفوس التي عقدت عليه الآمال ليعطي المزيد لوطنه الذي أحب وأفنى عمره في خدمته بشتى الميادين متسلحاً بالرصانة العلمية، والنقاء الوطني، وموضوعية الطروحات السياسية، حتى مع مَن يخالفهم الرؤى والاجتهادات، وكان حجم ونوع وداعه معبراً عن وقار قامته التي ستبقى شاخصة في ذاكرة الكويت، ولن تغادرها كغيره من رجالها النماذج.
وهكذا في زمن القتامة، تتوارى متلاحقة نجوم كويتية إلى دار الخلود، في وقت نحن في أمسّ الحاجة لأدوارها في الاستنارة، والبحث العلمي والرؤى الثاقبة، للتغلب على ما نحن فيه من استلاب في شتى الميادين بفعل طغيان الجهالة والغُلو والتعصب والتخلف الفكري والعلمي الذي وضعنا في ذيل قوائم الأداء، ولكنها إرادة الله التي لا اعتراض عليها، ونسأله، سبحانه، الرحمة والمغفرة (للدكتور أحمد بشارة) مع قافلة الأخيار من الراحلين عنا، وأن يلهم محبيه ووطنه الصبر والسلوان. وتتوالى أحداث القتامة في أيامنا هذه بنتائج محاكمات خلية العبدلي الإرهابية، وأحكام القضاء التي هي عنوان الحقيقة حتى في درجاتها الأولى، وما انطوت عليها من حيثيات مفزعة، أثارت حزن أهل الكويت على هول ما كان ينتظرهم من تلك الخلية من أعمال إرهابية وتخريبية وتدميرية، فيما لو قيض الله لأفرادها ومن يقف وراءها من جهات مثل (إيران وحزب الله)، التمكن من تنفيذ مخططهم التآمري والتخريبي ضد بلدنا الآمن، والذي كان سينعكس على إشعال نيران فتنة واحتراب طائفي لا يعلم إلا الله مدى دماره لمجتمع قام على التكاتف منذ نشأته كشعب وقيادة ومؤسسات التحمت وانصهرت وتوحّدت في مواجهة الغزو العراقي، مثلما اتحدت والتحمت في جمعة "مسجد الصادق" الرمضانية الحزينة وغيرها من فواجع وأحداث وطنية كان معدن الكويتيين فيها على الدوام عصياً على التشظي.إن الوعي العام الكويتي لم تنطلِ عليه أهداف تلك الخلية والمخططين لشرورها، بل جاء خطاب الدولة متوجاً بحديث صاحب السمو أمير البلاد إلى رؤساء تحرير الصحف يوم الأربعاء الماضي، ليؤكد على نبذ الطائفية والابتعاد عن التمييز الطائفي، لأن "القول هذا سني وهذا شيعي يدمي مشاعر الآخرين"، وعليه يكون أي حديث عن تعميم جريمة الخلية على طائفة بأكملها هو تجديف ضد التيار، ومجافاة لحقيقة الالتئام الوطني الصامد أمام محاولات التفرقة التي قد تحدث من هذا الطرف أو ذاك.فالمصلحة العليا للوطن لا تقبل القسمة إلا على الكويت فحسب، ولعل ذلك ما أكدته قبلي أقلام أصحاب الفكر المستنير والنزيه من مختلف طوائف مجتمعنا الآمن.إن الآمال تشرق كما الضياء من عتمة الظلام الذي يلف الأحداث من حولنا بالداخل والخارج، وسيبقى الرهان على صلابة وحدتنا الوطنية فائزاً للوقوف بالمرصاد لخلية العبدلي وغيرها ومَن يقف وراءها من دول وتنظيمات.