مقامرة أوباما الإيرانية

نشر في 24-01-2016
آخر تحديث 24-01-2016 | 00:01
 منصور مبارك المطيري مقامرة أوباما، وفق ما نطق به، بشأن الصفقة النووية يتحقق الفوز فيها حينما تجعل الصفقة إيران منفتحة على أميركا والعالم وتتخفف من غلوائها الأيديولوجي وتضخ في الجماجم الإيرانية نمطا جديدا من التفكير، يشجعهم على نبذ التشبث المرضي بنقطة في الماضي وبناء المستقبل عليها.

في رائعة السويدي إنغمار بيرغمان "الختم السابع" يقفل الفارس أنطونيوس بلوك عائدا بعدما أنهى رحلة ملأى بالخطوب الجسام في المشرق، فيواجه عزرائيل في لعبة شطرنج ورهان على صفقة وجودية كبرى تتعلق بالمصير والحرية، وقد نظر الكثيرون، وهم محقون في ذلك، إلى أن الرمزية تنطوي على ثنائية المقدس والحرية، ويتماهى الرئيس باراك أوباما ذو الجاذبية الكبيرة والخطيب الممتلك لناصية البلاغة فيما اصطلح على تسميته بالصفقة النووية الإيرانية مع فارس الختم السابع، غير أنه على العكس من الأخير الممتشق لسيفه والممتلك لشروط القسوة والفظاعة بعد عودته من حروب دينية، قد جاء بالأصل من الجامعة، ومن متاهات البحوث الجافة وغابات النظرية الرطبة، بالمعنى الذي يصح معه القول إن يديه لم تخشوشنا بفعل السياسة العالمية كما لم يحز فائضا من الخبرة الدبلوماسية تعوض عن حداثة عهده وافتقاره للقدرات. فهو إن اختصر المسافة الهائلة بين مهنة أستاذ القانون والسياسي المحترف بزمن غاية في الإيجاز، غير أن البعض، وعلى نحو لا يخلو من الوجاهة، يرى أنه يلوذ بالمعرفة الأكاديمية حينما يعييه العجز عن اقتحام كهوف السياسة المظلمة.

وفي هذا السياق تأتي صفقة النووي الإيراني كما لو كانت رهانا أوباميا على طريقة انغمار بيرغمان، وتتبلور فحوى الرهان وتفاصيله في الخطاب الأخير الذي تحدث فيه أوباما عن هذه الصفقة، وتحديدا في العبارة المفتاحية التي يخاطب فيها الإيرانيين قائلا: "إن اختلافاتنا حقيقية، ولا يمكن إغفال التاريخ الشائك بين بلدينا، ولكن بالإمكان تغيير ذلك. إن طريق العنف والأيديولوجيا المتصلبة، والسياسات الخارجية القائمة على تهديد الجيران أو إزالة إسرائيل هي طريق مسدود، أما الطريق الآخر فهو ذاك الذي يوجد فيه التسامح والحلول السلمية للصراعات، ومن شأنه أن يفضي إلى اندماج أكبر في الاقتصاد العالمي، وانخراط أقوى في المجتمع العالمي، وقدرة الإيرانيين على الازدهار والنماء".

أما مقامرة أوباما وفقا لما نطق به فيتحقق الفوز فيها حينما تجعل الصفقة إيران منفتحة على أميركا والعالم وتتخفف من غلوائها الأيديولوجي وتضخ في الجماجم الإيرانية نمطا جديدا من التفكير، يشجعهم على نبذ التشبث المرضي بنقطة في الماضي وبناء المستقبل عليها، والتركيز عوضا عن ذلك على الواقع والقيم الكونية، أو كما في مواجهة بلوك مع عزرائيل تقديم الحرية على المقدس في السياسة. أما خسارة أوباما للرهان فستظهر في حال عملت الصفقة  في المدى القصير على تقوية مخزون إيران من الأسلحة التقليدية وعلى المدى الطويل من الأسلحة غير التقليدية، بحيث تمضي بخطى واثقة في الطريق المسدود الذي أشار إليه أوباما، وساعتئذ يشرع الجميع بشحذ سكاكينهم لتحلق غربان الخراب والفناء على السطوح.

وفي الوقت الذي راهن فيه فارس الختم السابع على حياته ومصيره، من المؤسف أن يراهن أوباما على حياة الملايين من أبناء الخليج العربي ومستقبلهم، وهذه ستبقى لطخة أخلاقية في تاريخه وسيرته.

back to top