كان يجب ألا يتسرع رجل بمستوى الدكتور عبدالله النفيسي، الذي نحترمه ونجله، ويطلق قذيفة سياسية عشوائية في اتجاه الأردن، الذي احتضن الإخوان المسلمين أكثر من خمسين عاماً، وكاد يدخل في حرب طاحنة مع دولة عربية مجاورة، أكثر من مرة من أجلهم، وكان عليه أن يتأكد من حقيقة المشكلة بين هؤلاء، الذين لم يتورعوا عن عض اليد التي امتدت إليهم بإحسان، وبين الدولة الأردنية التي عليها، كدولة مؤسسات، أن تطبق القوانين النافذة على الأردنيين كلهم بدون محاباة ولا تمييز بين تشكيلاتهم وأحزابهم وقواهم السياسية.

Ad

لقد اعتبر الدكتور النفيسي، هداه الله، أن قيام الدولة الأردنية بواجبها بإغلاق مقرات "تنظيم متمرد"، فرز من بين صفوفه بديله التنظيمي، بمنزلة "قفزة في الظلام"، وكان عليه قبل إطلاق هذه القذيفة السياسية العشوائية أن يتريث ليعرف حقائق الأمور، وأن هؤلاء بقوا يرفضون منذ أكثر من عقد من الزمن تسوية أوضاعهم التنظيمية والتأقلم مع القوانين الحزبية التي غدت نافذة، والتي تضمنت مستجدات كثيرة، بينها منع الارتباط التنظيمي بأي تنظيم غير أردني كالتنظيم العالمي للإخوان المسلمين، الذي قبل أن يعتبر تنظيماً إرهابياً كان مقره القاهرة.

ما كان على الدكتور النفيسي، الذي له التقدير والاحترام، أن يتسرع، ويتخذ تحت ضغط هؤلاء الذين بقوا طفل النظام المدلل ليس منذ عام 1954، وإنما قبل ذلك بكثير، هذا الموقف "الظالم" الذي اتخذه، ويقينا لو أنه أعطى لنفسه فرصة لمعرفة حقائق الأمور لطالب من لا يزال يعتبرهم "إخوانه" بألا يتمردوا على الدولة، التي احتضنتهم ورعتهم ومكنتهم من أن يصبحوا القوة الرئيسية في البلاد، وأن يبادروا إلى تسوية أوضاعهم القانونية، وإما أن يلتحقوا بإخوانهم في "زمزم"، أو أن يشكلوا حزبهم الخاص وفقاً للقوانين الأردنية.

بالتأكيد، الدكتور عبدالله النفيسي بخبرته الفنية ومتابعته واهتمامه بشؤون الإخوان المسلمين "إخوانه" يعرف أن هؤلاء ممنوعون ومطاردون ويعتبرون إرهابيين في العديد من الدول العربية والإسلامية، وأن كل ما طلبه الأردن منهم هو أن يسووا أوضاعهم التنظيمية وفقاً لمتطلبات القوانين المستجدة، لكنهم وقد أخذتهم العزة بالإثم واصلوا المماطلة والرفض... والآن فإن "شيخهم" الذي نشأ وتربى في كنف القوات المسلحة الأردنية - الجيش العربي يهدد الدولة بالعصيان المدني ويلوح بخيار الالتحاق بتنظيم داعش الإرهابي.

ربما يعرف الدكتور عبدالله النفيسي، وهو بالتأكيد يعرف، أن الإخوان المسلمين في الأردن "إخوانه" بقوا يعانون أزمة داخلية طاحنة منذ نحو عشرين عاماً، والسبب أن من لا يزال يعتبر نفسه مراقباً عاماً، ومعه بعض المصابين بمرض الإقليمية القاتلة المرفوضة في الأردن شعبياً ورسمياً أصروا على علاقة تنظيمية كتنظيم واحد، مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وأصروا على تبني كل مواقفها وكل برامجها، مع أن المفترض أنها حركة وطنية فلسطينية، وأصر بعضهم على أن يواصل احتلال مواقع قيادية فيها، وهذا نظراً لارتباط هذه الحركة بحزب الله اللبناني وإيران وبعض الدول العربية، ما تسبب في مشاكل وإشكالات كثيرة للدولة الأردنية كدولة، وتسبب في تعقيدات أمنية لـ "الإخوان" الأردنية.

إن هذا هو واقع الحال، وإن هذه هي الحقيقة، ولذلك فإن الدكتور النفيسي لم يكن موفقاً عندما تسرع ووصف الإجراء الأردني الأخير بإغلاق مقرات ومكاتب الذين أعلنوا التمرد على الدولة الأردنية، والذين بادروا مؤخراً إلى التلويح بالالتحاق بـ"داعش"، بأنه "قفزة في الظلام".