«باباراتزي» هو الفيلم الروائي الطويل الرابع للمخرج سعد هنداوي بعد "حالة حب” (2004)، "ألوان السما السابعة” (2007) و”السفاح” (2009) لكنه كبقية أفلامه لم يكن أوفر حظاً، سواء بالإقبال الجماهيري أو بالتجاوب النقدي. غير أنني استشعرت، بعد مشاهدة  "باباراتزي”، أن ثمة تجاهلاً وغبناً أصابا الفيلم، ومخرجه، بل يمكنني القول إن الفيلم لم يجد الاهتمام الذي يجعل منه مادة للبحث والنقد والتحليل!

Ad

"للحب حكاية” هو الاسم الإضافي الذي لجأ إليه أصحاب الفيلم تجنباً للدعوى القضائية التي هدد رئيس تحرير جريدة وموقع "باباراتزي” برفعها ضد الفيلم، لاتهام أصحابه باقتباس العنوان من مؤسسته الصحافية التي تحمل ذات الاسم. وتحكي الأحداث التي كتبها أحمد عبد الفتاح قصة المطرب اللبناني المعروف "خالد شريف” (رامي عياش) الذي وقع في غرام "ملك” (إيمان العاصي) كريمة رجل الأعمال المصري المعروف "عزيز الليثي” (عزت أبو عوف). لكن شريكه الشاب "حسن جاد” (محمود حافظ) يخطط للزواج منها، ويضع العراقيل في طريقها والمطرب الشهير، الذي يفاجأ عند زيارته مصر بأنه متهم في قضية تحرش تكاد تُذهب بسمعته، وتقضي على جماهيريته ومستقبله في الوطن العربي!

أدرك كاتب السيناريو أحمد عبد الفتاح، ومعه المخرج سعد هنداوي، أن معالجة بهذا الشكل ستجعل من الفيلم عملاً تقليدياً ومستهلكاً، ومن ثم ذهب تفكيرهما إلى تحميل الفيلم بأفكار دخيلة، ومبررات عجيبة، فالشريك "حسن جاد” لا ينجح في ابتزاز الأب كونه مغلوباً على أمره أو لأنه يضع مصلحته كرجل أعمال فوق أي اعتبار، بل لأن "حسن جاد” في طريقه، هو والتيار الذي ينتمي إليه، إلى سدة الحكم، بعد نجاحهم في الاستيلاء على البرلمان، بما يُشير إلى أن "حسن جاد” ابن التيار الإسلامي، الذي يأمل الأب في توسيع مصالحه في ظله، والوصول إلى منصب رفيع الشأن على يديه، وهو ما تؤكده عبارة "ملك” وهي تحذر والدها: "الله أعلم وعود "حسن” والناس اللي معاه حتوصلنا لفين”. ويتأكد المعنى أكثر عبر سلوكيات "حسن”، الذي يفرض كلمته، ويضع خطة اغتيال غريمه، ويهدد ضابط الشرطة الشريف (أحمد سليم) بإحالته إلى التقاعد، في إشارة من الفيلم إلى زمن "التمكين” والسيطرة على مفاصل الدولة!

اختار الفيلم الإيحاء والإسقاط والمواربة عند الإشارة إلى شخصية "حسن”، والتيار الذي يمثله، ومدى السطوة التي وصل إليها لدرجة أن رجل الأعمال طلق زوجته (وفاء سالم) لأنها تعزف الكمان، ويرفض زواج ابنته من المطرب، لأن الموسيقى والغناء يمكن أن يؤديا إلى تراجع أسهمه في الانتخابات كمرشح ينادي بتطبيق الشريعة الإسلامية، في الوقت الذي كانت الصراحة والجرأة والمباشرة عناوين واضحة للفيلم وهو يشدد على لسان المطرب اللبناني أن "مصر حتفقد سحرها إذا راح منها المغنى والفن”، ويهاجم حفنة الشباب الذين رفعوا اللافتات في حفل المطرب، وأعلنوا من خلالها موقفهم المناهض للفن بحجة أن "الغناء كفر”، "من عمل الشيطان” و”حرام شرعا واتقوا الله يا ظلمه”، ودخل الفيلم في مواجهة، بل معركة، معهم عندما دفع البطلة "ملك”، إلى محاصرة هتافاتهم، ولافتاتهم، ورفعت لافتة مضادة تقول "الغناء حياة”، كما طالبت المطرب "خالد” بألا يستسلم، وأن يستمر في الغناء، وحمست الجمهور المتردد ليطرد القلة المتزمتة، وهو ما نجحت فيه بالفعل. لكن مواقف الفيلم ظلت تتأرجح بين المواجهة والمواربة، ففي الوقت الذي يؤكد على لسان "حسن” أن "السياسة حرب والحرب كل شيء فيها مباح” يعود للحدوتة التقليدية حول الحقد الطبقي الذي يتملك "سلمى” (منى هلا) ويثير غيرتها من "ملك”، والمخدرات التي ذهبت بعقل "مسعد” (محمد حاتم) فقادته إلى اغتصاب حبيبته، وابنة خالته، و”الباباراتزي” لانا (ميرفا قاضي) التي استيقظ ضميرها، واختارت التكفير عن خطيئتها التي دمرت حياة "خالد”!

يضرب فيلم "باباراتزي” في الاتجاهات كافة، وأبرز ما فيه نجاحه في تعرية المتأسلم "حسن”، الذي سيطر، بالخديعة والوعود والوعيد، على الفقراء (سلمى ومسعد)، وامتلك زمام الأغنياء (عزيز الليثي)، واستغل نقاط ضعف أصحاب الضمائر الميتة، والنفوس المريضة (كريم ابن عم المطرب ومدير أعماله). ويبدو التميز واضحاً أيضاً في التوظيف الجيد للممثلين والمونتاج (رباب عبد اللطيف) والإيجاز الزمني عند الحديث عن عمق وقدم العلاقة بين البطل ومدير أعماله، وتوظيف مهارة مدير التصوير الأجنبي (دافيد بلاسيوس) في مطاردة السيارات التي سبقت محاولة اغتيال المطرب، والإضاءة، وتمجيد المرأة التي أبت أن تكون ضلاً، ورفضت أن تخون قلبها، وتقديم التحية لضابط الشرطة الذي يؤدي واجبه على أكمل وجه، بينما جاء مشهد النهاية ساذجاً وبليداً ومفتعلاً وكأن انتصار الخير على الشر أصبح قدراً ومكتوباً في الأفلام المصرية كافة!