مجرمون سلبيون

Ad

طالعتنا صحيفة "المصري اليوم" يوم الاثنين الموافق 29 فبراير بتصريح لوزير العدل المصري أدلى به قبل أن يغادر الكويت عقب توقيع بروتوكول التعاون القانوني والقضائي بين مصر والكويت بالأحرف الأولى، بأنه يفكر في قانون يعاقب والدي الإرهابي اللذين وصفهما بأنهما، ومن تولى تربيته، مجرمون سلبيون، مضيفا "لو أنجزنا مشروعا مع الكويت بأن الأب والأم اللذين سيضبط ابنهما في عمل إرهابي فستطولهما عقوبات"، لأنهما في هذه الحالة فرّطا في الأمانة التي أنيطت بهما، ويقيني أن هذا سيحدّ من الإهارب من خلال الرقابة الصارمة من الآباء والأمهات على أبنائهم.

والبيّن من تصريح وزير العدل المصري الذي جاء صادما للجميع، أن ميزان العدالة اهتزّ في يد الوزير، وهو يتصدى لموضوع الجريمة بوجه عام، والجريمة الإرهابية بوجه خاص، فأهدر مبدأ شرعية التجريم والعقاب كما عرفه الإسلام قبل قرون طويلة من نصوص الدساتير التي أقرته.

واهتزّ ميزان العدالة في يد وزير العدل مرة أخرى وهو يبرئ المدرسة ويبرئ المسجد والنادي والإعلام والمجتمع كله من المسؤولية الأخلاقية عن جرائم الإرهاب، والهروب إلى العنف والتطرف.

فلماذا لا يطول العقاب كل من كان مسؤولا من هؤلاء الذين يتولون هذه المؤسسات التربوية الضخمة، وهم مسؤولون كذلك عن إشاعة الكراهية ضد الآخر.

ولكن تظل المسؤولية هنا مسؤولية أخلاقية، لا تدخل دائرة التجريم والعقاب، لأن هذه الدائرة تحكمها نصوص دستورية، وقيود صارمة في ديننا الحنيف، لهذا جاء تصريح المستشار أحمد الزند وزير العدل صادما للجميع.

العدالة في الإسلام

يقول المولى "وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى". فالمولى عز وجل العليم بضعف النفس البشرية وسوءاتها ينهانا عن أن تكون كراهيتنا لقوم سببا لظلمنا لهم، وفي هذه الآية الكريمة يأمرنا المولى عز وجل بالعدل حتى مع من نكره ولا نحب.

ويقول المولى عز وجل "وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ". والعدل هو بعض ما أنزله الله إلينا في كتابه الكريم، بل هو أسمى ما أنزله سبحانه، تلك هي الآيات الكريمة التي تكون النبع السامي الذي يستمد منه المشرع والقضاة أحكامهما.

شخصية العقوبة في الإسلام وفي الدستور

يقول المولى عز وجل "وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى"، ويقول الرسول عليه الصلاة والسلام "لا يؤاخذ المرء بجريرة أبيه ولا بجريرة أخيه"، وتنص المادة (95) من الدستور على أن: "العقوبة شخصية".

كما قضت المحكمة الدستورية العليا بأن الأصل في الجريمة، أن عقوبتها لا يتحمل بها إلا من أدين كمسؤول عنها، بما مؤداه أن الشخص لا يزر غير سوء عمله، وأن جريرة الجريمة لا يؤاخذ بها إلا جناتها ولا ينال عقابها إلا من قارفها، وأن "شخصية العقوبة" التي كفلها الدستور بنص المادة (66) تفترض شخصية المسؤولية الجنائية، وبما يؤكد تلازمها، وأن الشخص لا يكون مسؤولا عن الجريمة ولا تفرض عليه عقوبتها إلا باعتباره فاعلا لها أو شريكا فيها، وهو ما يعبر عن العدالة الجنائية في مفهوم الحق.

درء الحدود بالشبهات

ويقول سبحانه "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ". ويقول الرسول عليه الصلاة والسلام "ادرءوا الحدود بالشبهات فإن كان له مخرج فخلوا سبيله فإن الإمام إن يخطئ في العفو خير له من أن يخطئ في العقوبة". ويقول عمر رضي الله عنه "ولئن أعطل الحدود بالشبهات خير من أن أقيمها بالشبهات".

افتراض البراءة في الإنسان

وفي هذا السياق تنص المادة 96 من الدستور على أن: "المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية عادلة، تكفل فيها ضمانات الدفاع عن نفسه"، وتقابل هذه المادة 67 من دستور 71.

 وقد استقرت أحكام المحكمة الدستورية العليا في تفسير المادة 67 سالفة الذكر وتطبيقها على أن: "المادة 67 من الدستور تستمد حكمها من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وهي تردد قاعدة استقر عليها العمل في الدول الديمقراطية، وتقع في إطارها الضمانات الأساسية التي يتكامل بها مفهوم العدالة، ويتفق مع المقاييس المعمول بها في الدول المتحضرة".

"وإنه لا يجوز أن يحل المشرع توافر صفة معينة في المتهم، محل واقعة علمه بحقيقة الأمر في كل واقعة تقوم عليها الجريمة، علما يقينيا لا ظنيا أو افتراضيا، لأن المشرع بذلك ينشئ قرينة قانونية تنقض افتراض البراءة، وتخل بحق المحكمة في التحقق من قيام هذا العلم لدى المتهم".

وفي عقاب الأب والأم لأنهما لم يحسنا تربية ابنهما الإرهابي مخالفة لشرع الله "ولا تزر وازرة وزر أخرى"، ورمي للوالدين بالشبهات والظن.

رجعية القوانين الجنائية محظورة

فضلا عن إهدار مشروع وزير العدل المصري لمبدأ دستوري وشرعي يعلو على كل  المبادئ، وهو أن يطول العقاب والدي الإرهابي، لأنهما لم يحسنا تربيته، الأمر الذي من شأنه أن يجرم المشروع ويعاقب الوالدين على أعمال سابقة، والذي سوف يعده الوزير، وهي إهمالهما في تربية ولدهما الإرهابي، بما يهدر مبدأ دستوريا تضمنته المادة (95) من الدستور، فيما نصت عليه من أنه لا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون، وتحظر المادة 225 من الدستور أيضا على البرلمان الارتداد بنفاذ القوانين في المواد الجنائية على الماضي.

وهو مبدأ دستوري رسخه القرآن الكريم قبل الدساتير التي أقرته بقرون طويلة في قوله سبحانه: "وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً".