النفط يدك حصون التنمية
من الواضح أن أسعار النفط ستستمر في التدهور خلال هذا العام، وقد تصل تكلفة إنتاج البرميل إلى أعلى من سعر البيع في معظم الدول المصدرة إن ظل متوسط الإنتاج العالمي على معدلاته الحالية، ولن يكون بمقدور السوق تجاوز فوائض النفط لسنوات؛ مما سيتسبب بانهيار اقتصادات الكثير من الدول.سياسة تمسك دول أوبك بالحصص المحددة لها لن تساهم في تحسن الأسعار، والمراهنة على زيادة الطلب العالمي في امتصاص الفوائض لن تجدي نفعاً مادام السادة وزراء الدول النفطية لا يرون أبعد من أنوفهم، فهم من راهن على أن سوق النفط سيتعافى خلال العام المنصرم، مخالفين تنبؤات وكالة الطاقة، وها هم يكررون التوقعات نفسها لهذا العام.
سنوات من الفوائض المالية ضلت طريقها وسارت خارج مضمار الاقتصاد، فلم تكن سوى أرقام سجلتها الميزانيات السابقة إلى أن جاء اليوم الذي استفاقت معه الحكومة على وقع أجراس عجز الميزانية، ومع ذلك ظل تحرك الحكومة في الدائرة الصغيرة، دائرة ترشيد الإنفاق، دون أن نرى رؤى اقتصادية خلاقة تنقذ الميزانية النفطية. الاتفاقات والتفاهمات الدولية والإقليمية في المنطقة تسير نحو الانفراج والانفتاح الاقتصادي؛ لذا من المتوقع أن تبادر الحكومة للاستفادة من تلك الظروف في تنشط الاقتصاد المحلي، وتأتي في مقدمة تلك القطاعات تجارة النقل البحري التي من المتوقع أن تضع الكويت في قلب التجارة العالمية، وذلك لعدة اعتبارات منها الموقع الجغرافي الاستراتيجي وثقة التاجر الإقليمي والعالمي بها، والحال تنسحب على قطاع السياحة، فهو لا يحتاج إلا لبعض التشجيع، فالمناخ الاجتماعي يتناسب والذوق العام للسائح العربي المحافظ، وأيضاً للأجنبي الباحث عن الأمان ومتعة التسوق.تشجيع القطاع الخاص يجب أن يذهب في الاتجاه الصحيح من خلال المشاركة الجادة التي تقوم على المنفعة المتبادلة، بحيث تعطى التسهيلات مقابل إتاحة المجال للشباب الكويتيين للعمل وبأسلوب الدفع الكامل بدلاً من دعم العمالة المعمول به أو رفع نسبة الضريبة على الأرباح في أسوأ الظروف.على الكويت تطوير نظامها الاقتصادي ليتماشى وما هو معمول به في العالم الغربي، وهذا لا يعني مطلقاً التخلي عن دولة الرعاية التي كفلها الدستور؛ لذا من المنتظر أن تشرك الحكومة أصحاب الاختصاص وتقديم خططها لمعالجة الأزمة الاقتصادية عبر إيجاد البدائل غير النفطية.في النهاية النفط سلعة لا يمكن للعالم التخلي عنها خلال خمسين سنة القادمة؛ لذا معالجة تدهور الأسعار تحتاج إلى بعض التنازل من الأطراف المنتجة، فسياسة كسر العظم ستنال من الكل، ولا تعني أن من يصرخ أولاً هو الخاسر فالخاسر الحقيقي من يعتمد على النفط في وضع ميزانيته القومية. ودمتم سالمين.