أصبح حلفاؤنا بالأمس من الأميركيين أو الروس أعداءنا والشياطين الجدد والمتآمرين علينا، فوجب التصدي لهم ومقاومتهم وفك الارتباط معهم، فهل تبدّلت هذه المواقف نتيجة لقواعد وموازين القوة والمصالح السياسية، وبالتالي تتطلب ردود فعل ليس إلا؟ أم أن العلة تكمن في الجمود العقلي والعجز عن التفكير؟
تتجدد ذكرى العيد الوطني ويوم التحرير وتتجدد معها الذكريات والمواقف المتداخلة بين الحلوة منها والمُرة، والجميلة والقبيحة، والمؤلمة والمفرحة، وهذا شيء طبيعي في سنن الحياة ومتوالية الأحداث، لكن المهمّ فيها الاعتبار والاستفادة والاستعداد للمستقبل مع الطموح نحو الأفضل، ولكن يبدو أننا لم نستفد الكثير من تلك الأيام الحاسمة في تاريخ بلدنا وشعبنا.من المفارقات العجيبة التي ينبغي أن نستذكرها أيام الاحتلال العراقي للكويت، وردود الفعل على ذلك، موقف التيارات السياسية والفكرية بنوعيها القومي والديني من سيادة الكويت ومظلومية شعبها وكيانها كبلد، حيث وقفت الأحزاب القومية والتيارات الإسلامية بجلها مع صدام حسين تبارك وتهلّل وتنتصر وتمجّد لدكتاتور استعرض قوته، وأفرغ إمكانات العراق المادية والعسكرية ضد بلد صغير وضعيف ومسالم، وجابت المسيرات المليونية الكثير من العواصم العربية تستنكر حق الكويتيين في استعادة بلدهم، واعتبرت الاستعانة بالأميركيين خيانة عظمى في حين نهب الكويت بما عليها عدّته بطولة ومجدا!بالإضافة إلى مجلس التعاون لم يقف مع الكويت سوى مصر وسورية والمغرب ولبنان، ولكن من انتصر لنا هم الأميركيون والإنكليز والفرنسيون والروس والصينيون والإيرانيون والأتراك، وهذه التوليفة العربية الغربية هي من نعادي معظمها اليوم، فأي مفارقة هذه؟!التيارات السياسية الكويتية، الليبرالية منها والدينية، وقعت في حرج كبير عندما كان ألدّ أعداء الكويت في ذلك الوقت هم من المشارب الفكرية والتوجهات السياسية ذاتها، لدرجة أن هذه التيارات الكويتية أعلنت براءتها من سلوك وموقف امتداداتها وبني فكرها في العالم العربي، وبعد التحرير أعادت التنظيمات السياسية الكويتية صياغة خطابها السياسي حول الهوية الكويتية، وأعلنت أن نشاطها القادم سينحصر في الداخل الكويتي، وفي إطار العمل السياسي الدستوري.بعد ربع قرن ونحن نحتفل بذكرى التحرير نجد العجب العجاب، فقد عاد الكثير من التيارات السياسية الكويتية إلى أحضان تياراتها الأم، وتناست وضع البلد الذي أُثقل بالأزمات السياسية وغرق في شبهات الفساد، وبات على مشارف الإفلاس، وهي (التيارات) تعيش حالة المقاطعة السياسية والطلاق البائن مع بعضها، إن لم يكن حالة التحريض على بعضها وتخوين بعضها لبعض، بل تحولت بعض هذه التيارات إلى بوق إعلامي ومصدر للتمويل وماكينة لتجنيد الشباب لتيارات وتنظيمات متشددة ومتطرفة هدفها إسقاط الدول والأنظمة، خاصة تلك التي وقفت مع الكويت في محنتها كمصر وسورية ولبنان.أصبح حلفاؤنا بالأمس من الأميركيين أو الروس أعداءنا والشياطين الجدد والمتآمرين علينا، فوجب التصدي لهم ومقاومتهم وفك الارتباط معهم، فهل تبدّلت هذه المواقف نتيجة لقواعد وموازين القوة والمصالح السياسية، وبالتالي تتطلب ردود فعل ليس إلا؟ أم أن العلة تكمن في الجمود العقلي والعجز عن التفكير وانعدام روح المبادرة في خلق أولوياتنا ووضع استراتيجيات خاصة لمصالحنا؟ يبدو أن كلا السببين فيه شيء من الصحة والمنطق، ولكن ما يجعلنا نستسلم لمثل هذا الواقع المزري هو مثلنا الكويتي الشهير "بو طبيع ما يجوز من طبعه"!
مقالات
«بو طبيع» ودروس التحرير!
26-02-2016