السعدون: صراع منتجي النفط التقليدي وصل لمستويات «مدمرة»
«معدل سعر البرميل لا يمكن أن يستقر دون 30 دولاراً»
تؤكد الأرقام، بحسب السعدون، أن الأزمة الحالية للسوق النفطية ستكون أعمق في تأثيرها؛ بسبب اتساع الاختلالات الهيكلية في اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي، حتى لو حقق سوق النفط سيناريو السعر الاقتصادي لنموه لن يكون ذلك كافياً للعودة إلى نهج الماضي القريب.
أكد جاسم السعدون نائب رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي في شركة الشال للاستثمارات الاقتصادية، أهمية متابعة حركة مسار أسعار النفط بعد هبوطها الحاد، باعتبار أن مصير شعوب دول مجلس التعاون الخليجي التي تعتمد عليه مرتبط بمتغيراته.وقال السعدون، في ندوة «النفط إلى أين؟» ونظمتها الجمعية الاقتصادية الكويتية، أمس الأول، إنه بعد نحو 50 و90 عاماً من عمر النفط في الخليج، وبعد استراتيجيات التنويع بعيداً عن النفط، أو تخفيض الاعتماد عليه، أصبحت تلك الدول مع أزمة سوقه الثالثة في جيل واحد وأكثر اعتماداً عليه وارتباطاً بمتغيراته.وأضاف أن صراع منتجي النفط التقليدي على خلفية اشتعال الأحداث الجيوسياسية في المنطقة، تسبب في هبوط أسعار النفط بشكل كبير، وإلى مستويات «مدمرة» لكل أطرافه.وذكر أن قرار النفط أصبح قراراً جماعياً لأن معظم دول مجلس التعاون تمثل فريقاً واحداً في مواجهة هذا الصراع، مما يتطلب وعياً منطقياً باحتمالات ومخاطر القرار الجماعي من أجل تلمس مسار سوق النفط في المستقبل.وأوضح أن «سوق النفط الحالية، لم تكن مفاجئة، فالتاريخ يوثق لدورات سوق النفط بين الرواج والضعف وكل من الأشخاص الذين نصحوا دول النفط خلال حقبة رواج سوقه أكدوا بشكل قاطع أن حقبة ضعفه قادمة، وكان الخلاف حول توقيتها».السعر الاقتصاديوأفاد السعدون، بأن «الأرقام تؤكد أن الأزمة الحالية للسوق النفطية ستكون أعمق في تأثيرها، بسبب اتساع الاختلالات الهيكلية في اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي، حتى لو حقق سوق النفط سيناريو السعر الاقتصادي لنموه لن يكون كافياً للعودة إلى نهج الماضي القريب».وأشار إلى «أن العالم يستهلك حالياً نحو 93 مليون برميل يومياً، وفي حال حصل أي نقص في الإنتاج ولو كان صغيراً، فسيؤدي إلى ارتفاع كبير في الأسعار، فيما سيتسبب أي فائض بانخفاض كبير في الأسعار».وأوضح أن وكالة الطاقة الدولية عدلت توقعاتها للارتفاع في الطلب على النفط للعام الحالي من 0.9 إلى 1.9 في المئة بسبب الانخفاض في أسعاره، مما يشير إلى أن العالم يحتاج إلى نحو 1.75 مليون برميل يومياً إضافية خلال العام، في حال استمر انخفاض الأسعار.ولفت إلى أن حقبة الرواج عندما بلغ معدل سعر برميل خام برنت نحو 111.3 دولاراً عام 2011 ونحو 111.6 دولاراً عام 2012 ونحو 108.6 دولارات عام 2013 ونحو 99 دولاراً في عام 2014 أسست للاستثمار في إنتاج الطاقة البديلة، وأصبح لدى العالم المستهلك احتياطيات ضخمة في النفوط غير التقليدية.السعر السياسي وبين السعدون أن حركة أسعار النفط المحتملة تشير إلى أن معدل سعر برميل النفط لا يمكن أن يستقر دون ال30 دولاراً للبرميل، كما لا يمكن أن يتعدى حاجز 60 و 80 دولاراً، أو معدل سعره الاقتصادي البالغ 70 دولاراً.وأكد أن كل شهر يمر بالسعر السياسي لهابط للنفط يعني استهلاك بضعة شهور من الوفر الذي تم بناؤه في حقبة الرواج، وعليه عامل زمن قاتل ولا يمكن تعويضه، متسائلاً لماذا أصبح السيناريو السياسي لأسعار النفط هو المرجح؟، مبيناً أنه مع نهاية عام 2015 وبدايات عام 2016، إزداد توظيف النفط سلاحاً سياسياً بما يعنيه ذلك من ارتفاع هامش الخصم السياسي على سعره الاقتصادي، لذلك كسر سعر مزيج خام برنت حاجز ال30 دولاراً إلى الأدنى قبل أن يعاود الارتفاع وكسر سعر برميل النفط الكويتي لفترة وجيزة حاجز ال20 دولاراً إلى الأدنى.وقال السعدون، إنه لابد من تلمس مسار سوق النفط حتى نعرف تداعياتها المحتملة علينا لأن مصيرنا، وليس مجرد نمو اقتصاداتنا، أصبح أكثر ارتباطاً بحركة أسعار النفط وأعمق من أي وقت مضى بسبب الارتفاع المطلق والنسبي في اعتمادنا عليه.وأوضح أنه بين ديسمبر 2014 وديسمبر 2015 زادت دول مجلس التعاون إنتاجها من النفط بنحو 0.612 مليون برميل يومياً، وزادت دول جبهة الضد إنتاجها بنحو 1.010 مليون برميل يومياً، أي بمجموع بلغ نحو 1.622 مليون برميل بنسبة زيادة بلغت 69.3 في المئة في الإنتاج العالمي خلال عام، مبيناً أن تلك الزيادة من قبل الجبهتين أضافت فقط 2 في المئة إلى صادرات العالم من النفط، لكن هبط معها سعر برميل النفط بنسبة 33.8 في المئة.وتابع السعدون أن تصاعد الخلاف السياسي أخيراً بين جبهتي النزاعلا يرجح التوافق بينها للحد من المعروض، مؤكداً أن الوضع الجيوسياسي لا يدعم التوافق لعلاج أوضاع سوق النفط .نحن إلى أين؟أعلن السعدون أن عنصر الوقت «لن يرحمنا فرادى ومجتمعين، ولابد من خطوة مبكرة، لأن وقت السيناريو السياسي لأسعار النفط مهما كان قصيراً، له تكلفة مضاعفة، وقال إن الخيار هو سياسي أولاً، ويتلخص في إدارة الغضب أو التحكم فيه، والسير في طريق التوافق الإقليمي، قبل أن يزداد عدد الدول الفاشلة في إقليمنا، وهو أمر لابد وأن يتزامن مع التوافق السياسي الداخلي ضمن كل دولة، وما بين دول المجلس.وأضاف أنه على الجبهة الاقتصادية، لابد من توافق على إطفاء الحريق المالي أولاً، وذلك بتبني سياسات مالية مستدامة وحصيفة، والمؤشرات على مستوى الإقليم وعلى المستوى المحلي، لا تتعدى حتى الآن إضافة بعض مساحيق التجميل.المرض الهولنديقال السعدون، إنه يشفع للكويت حجم صندوقها السيادي وانخفاض تكلفة إنتاج البرميل لديها، «لكن ما يعمق أثر الأزمة الحالية تقدم إصابتها (بالمرض الهولندي)، فمساهمة قطاع النفط نحو 63.5 في المئة، ومساهمة القطاع العام فيه 68 في المئة، أي أعلى فجوة في الإنتاج، واعتماد تمويل الموازنة على إيرادات النفط بنسبة 92 في المئة، ما يعني أن الفجوة المالية هي الأوسع.وأضاف أن أرقام مشروع موازنة الدولة الجديدة 2017/2016 تظهر أنها معنية بالمخاطر، وربما لا تعيها، فالحديث عن الترشيد تحول إلى زيادة في النفقات، والحديث عن المشروعات، لا يرتبط إطلاقاً بردم الفجوات، وإنما بتعميقها.وأوضح أن الخطر الحقيقي «يكمن في أننا والحكومة بتنا نعيش في عالمين، وربما في كوكبين مختلفين، ففي تقديمها لمشروع الموازنة المذكور، ذكرت بأنها سارت ومستمرة في طريق الإصلاح الهيكلي الشامل الاقتصادي والمالي، ومشروع الموازنة مؤشر له، ولن تحيد عن هذا الطريق حتى لو ارتفعت أسعار النفط».