«العلمانية» هي الحل... ولا اعتدال في الدين مع السياسة!

نشر في 14-01-2016
آخر تحديث 14-01-2016 | 00:01
 عبدالمحسن جمعة قبل أسابيع، اتفقت جميع الفصائل السورية المعارضة في اجتماعها الموسع الذي عقدته بمدينة الرياض السعودية على أن تكون هوية الدولة السورية المستقبلية "علمانية"، تحتوي جميع أعراق ومذاهب سورية، تحت مظلة الدولة المدنية الحديثة التي يحكمها دستور وقوانين علمانية.

تلك النتيجة التي توصلت إليها جميع أطراف المعارضة، بما فيها الحركات الإسلامية السورية المقاتلة على الأرض والمعارضة السياسية بعد 5 سنوات من الثورة، هي باختصار العلاج الناجع لكل مشكلات العالم العربي الذي يقع تحت وطأة أخطر أزمة وجودية له منذ أمد بعيد، تتمثل في تفتيته وإلحاقه بقوى إقليمية تديره وتهيمن عليه.

هذه النتيجة التي توصل إليها السوريون تبين أنه لا علاج ولا مواجهة للظروف التي يمر بها العالم العربي من حروب ومواجهات عرقية وطائفية إلا بتلك الصيغة، التي تؤدي إلى الدولة المدنية - العلمانية، التي تجمع كل من يقيم على الأرض مهما كان معتقده أو عرقه تحت مظلة الهوية الوطنية، وهو الفارق الذي جعل ربيع الشعوب الديمقراطي الحر ينجح في أوروبا الشرقية وأميركا اللاتينية وأجزاء كبيرة من إفريقيا وآسيا، وتنتج عنه دول ديمقراطية مستقرة، بينما أدى الربيع العربي إلى كابوس مدمر في دول الشرق الأوسط من حروب أهلية وعدم استقرار في سورية ولبنان واليمن وليبيا والعراق، وفوضى في مصر كادت توصلها إلى حالة مشابهة للدول سالفة الذكر.

فالعرب يعيشون اليوم نتيجة ما سمي بـ "الصحوة الإسلامية" في أعقاب نكسة 1967، وها نحن نشهد نتاج تبني الدول العربية للخطاب الديني من نشوء منظمات أصولية إرهابية تمتد جرائمها حول العالم لتشوهنا كهوية ومعتقد، وتجعلنا ملاحقين ومنبوذين، وها هم أبناؤنا ينحرون مجتمعاتنا بالذبح والسبي والغلو الفكري المقيت، وأيضاً ما أدى إليه ذلك التوجه من استدعاء للدول الكبرى لاستغلال المسلمين في حروبهم الباردة والساخنة، وبعد ذلك تصفيتهم وسجنهم، كما حدث للعرب في أفغانستان.

كما أن تكثيف الخطاب الديني و"دروشة" المجتمعات العربية دفعا أصحاب المذاهب والمعتقدات الأخرى إلى التحزب وخلق فضائهم الديني الخاص، وهو ما أوجد أفضل الظروف لإسرائيل لاستكمال مشروعها في فلسطين والمنطقة، وكذلك للمشروع القومي الفارسي من ظروف مواتية لاختراق الدول العربية تحت راية نصرة العرب المنتمين إلى المذهب الشيعي الاثني  عشري، فإذا كانت هوية الدولة العربية تتجه لتكون أصولية سنية، فما الذي يجعل الشيعي والمسيحي وخلافه من المذاهب والأعراق يلتزم فكرياً ووجدانياً بالمواطنة فيها؟

أما الحديث عن أن وجود الجماعات السنية المعتدلة هو الحل لمواجهة التحدي الإيراني والمخاطر الخارجية، فهو تدليس وليّ لعنق الحقائق، فكل الحركات السياسية السنية بدأت معتدلة ودعوية سلمية، وانتهت بفرق اغتيال وحركات جهادية متطرفة، فلا يوجد اعتدال في ممارسة العمل في الشأن العام عندما يخلط الدين بالسياسة، إذ إن التنافس السياسي بين الحركات الدينية سيؤدي إلى المزايدة التي ستنتهي لا محالة إلى التطرف، بل إن أول من تحالف مع إيران (الملالي) هي الحركات الأصولية مثل الإخوان المسلمين وذراعها الفلسطينية (حماس) وحركات الجهاد الإسلامي.

وفي الحالة التركية فإن الضمان للتجربة السياسية التركية ذات التراث الإسلامي هو الدستور التركي العلماني، وكذلك رغبة الأتراك الجامحة في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي العلماني التي خلقت ضوابط تقي تركيا من التطرف، ومن تغيير طبيعة المجتمع التركي المنفتح، وتمنع التدخل في حريات الناس وفرض تعاليم شرعية على حياتهم الخاصة.

وفي العالم العربي فإن سقوط المشروع القومي العلماني تم بسبب دكتاتوريات العوائل (العراق - صدام حسين) والطوائف (سورية - العلويون) والعسكر (ليبيا - القذافي) والقبائل (اليمن – علي صالح)، وهي التي أسقطت انتماء الشعوب لهويتها الوطنية، وجعلتها تلجأ إلى الانتماء (الأقلوي) العرقي والمذهبي الذي يستغله أعداؤنا اليوم في تفتيت العالم العربي وتدميره.

back to top