عجز الميزانية وغياب الشفافية
بالرغم من الحديث المتواصل للحكومة خلال الأشهر الماضية عن عجز الميزانية العامة للدولة، فإنها لا تعير اهتماما كافياً لمبدأ الشفافية، فتصارح المواطنين بالمعلومات والبيانات الدقيقة والكافية التي تبني عليها قراراتها التي تنوي اتخاذها، أو سياساتها العامة الخاصة بالإصلاح الاقتصادي والمالي، إن كان ثمة سياسات عامة بهذا الخصوص، بل على العكس من ذلك تصريحات الحكومة والمعلومات المتناثرة التي تسربها للصحافة تساهم في إثارة الهلع والخوف في نفوس الناس من دون مبرر.إن من حق المواطنين جميعاً أن يكونوا على بينة ودراية كاملة بالطريقة التي تدار فيها ثروتهم الوطنية، وأن يشاركوا مشاركة فعلية في إدارتها، كما أن من حقهم أن يطرح كل ما يتعلق بالاقتصاد الوطني للنقاش العام العلني والمفتوح الذي يستهدف الإصلاح الاقتصادي والمالي، إلا أن الواقع مغاير لذلك تماماً، إذ يتم تصوير الأمر وكأنه سر من الأسرار العظيمة التي يفترض ألا يعرفها المواطنون، ولا يحق لهم مناقشة شؤون الاقتصاد والمالية العامة، فالحكومة، كما تصور ذلك وسائل الإعلام، "أبخص"! أي أكثر دراية. لهذا فإن البيانات والأرقام الرسمية المتداولة التي تسربها أجهزة حكومية تأتي مجزأة، ومتناثرة، وبعضها متعارض، الأمر الذي يجعلها غير دقيقة، ولا تعكس حدة الأزمة المالية التي تتحدث عنها الحكومة ووسائل إعلامها باعتبارها أزمة مالية غير مسبوقة سيكون لها انعكاسات مباشرة وسيئة على مستوى معيشة المواطنين.
وفي هذا السياق، من غير المنطقي تعامل الحكومة مع الصناديق السيادية (صندوق الاحتياط العام وصندوق الأجيال القادمة، وتقدر أصولهما حسب البيانات المتداولة إعلامياً في نهاية يونيو 2014 بمبلغ 548 مليار دولار تحقق عائدات شهرية يفترض أنها تغطي العجز المالي الحالي وتزيد)، إذ إنها تفصلها عن الميزانية العامة للدولة وتدار ضمن دائرة ضيقة ومقفلة، وكأن الصناديق السيادية تابعة لدولة أخرى، وهذا ما عكسه تصريح وزير المالية عندما تحدث مؤخراً لوكالة الأنباء الكويتية "كونا" عن المنحة المالية التي قدمتها الكويت للشعب السوري في مؤتمر المانحين الذي عُقد قبل عدة أيام في لندن، حيث ذكر أن "التبرعات الكويتية للسوريين خارج الميزانية"! وهذا معناه أن الحكومة، وخلافاً للمنطق، تعتبر الصناديق السيادية وكأنها أموالٌ خاصة لا علاقة لها، كما يفترض، بالميزانية العامة الدولة، أي لا يفترض، كما تتصرف الحكومة، أن يعرف عنها المواطنون شيئاً، وكأنها ليست أموالاً عامة يملكها الشعب، وهو ما يتعارض مع الدستور ومع النظرية المالية العامة للدولة ومبدأ الشفافية في الإدارة العامة للدولة اللتين تسعى حكومات الدول المتقدمة إلى الالتزام بهما.ومن جانب آخر، فإن السؤال حول الفوائض المالية الضخمة التي تراكمت منذ السنة المالية 1999/ 2000 (نحو 80 مليار دينار) ما زال قائماً، فتصريح وزير المالية بأن الفوائض المالية قد ذهبت للصندوق السيادي يحتاج، لا سيما في ظل نقص المعلومات الرسمية الموثقة، إلى تدقيق وشفافية عالية، حيث إن القانون الذي صدر قبل نحو ثلاثة أعوام فقط يُلزم الحكومة باقتطاع 25% (كانت النسبة 10% قبل ذلك) من عائدات الدولة للصندوق السيادي العام، فأين ذهب باقي الفوائض المالية؟!