يمكن القول من دون أي مبالغة إن المناظرة الأخيرة للمرشحين الجمهوريين المحتملين للتنافس في السباق الرئاسي الأميركي، التي أجرتها محطة «سي ان ان» ليلة الخميس- الجمعة في ولاية تكساس، كانت من أكثر المناظرات حماوة وتوتراً وتشويقاً.

Ad

ورغم اختلاط الهجمات الشخصية بالنقاش الحاد على قضايا سياسية رئيسية، فإنه أمكن للمشاهدين للمرة الأولى الاستماع الى مداخلات اختارت التعرض المباشر لشخص المرشحين، لكنها كشفت خطوطا رئيسة عن السياسات التي سيتبعها هذا المرشح أو ذاك.

وكالعادة كان المليونير دونالد ترامب نجم المناظرة، مع تلقيه الهجمات من كل حدب وصوب، خصوصا من منافسيه السيناتور ماركو روبيو، والسيناتور تيد كروز.

بدت المناظرة انها الفرصة الأخيرة أمام المؤسسة الحزبية لكسر «موجة ترامب» قبل خمسة أيام من انتخابات «الثلاثاء الكبير»، حيث تستعد 11 ولاية لإنجاز انتخاباتها التمهيدية، والتي سيتقرر عليها مصير الانتخابات الحزبية كلها.

فالهجمات المركزة التي شنها الثنائي كروز وروبيو وصلت الى حد ملاحقة ترامب على تفاصيل التفاصيل بالنسبة الى مشاريعه وخططه.

وتعمد الرجلان حشر ترامب في الإجابة عن مشاريعه، سواء في كيفية خفض الضرائب وانعكاسها على الاقتصاد الاميركي، او في كيفية إلغائه مشروع «اوباماكير» الصحي ومشروعه البديل، إلى كيفية تطبيق مشروع ترحيل المهاجرين غير الشرعيين وبناء الجدار مع المكسيك، وصولا الى سياساته الخارجية وكيفية تدميره لـ»داعش» أو تغيير نظام كوريا الشمالية.

بدا ترامب عاجزاً عن الإجابة عن كل تلك الأسئلة، لكنه تمكن من الهروب عبر تصعيد انتقاده للسياسيين في واشنطن، قائلا انهم لطالما تحدثوا بنبرة عالية من دون اي فعالية، الأمر الذي كان يلقى استحسانا من الجمهور الذي تفاعل معه.

غير أن «المنازلة» التي شهدتها المناظرة بين ترامب وروبيو وكروز حول الموقف من إسرائيل، شكلت محطة فارقة بالنسبة الى مواقف ترامب منها، وكذلك حين اكد انه لن يدع اي مواطن أميركي يموت على حافة الطريق رغم تأييده الغاء مشروع أوباما الصحي في مواجهة ادعاءات كروز، خصوصا أن التأمين الصحي ليس حقا طبيعيا لكل الأميركيين!

وفي حين استمات كروز في استعراض دعمه المتواصل عن إسرائيل، وعن ضرورة هزم اعدائها والوقوف في صفها تحت اي ظرف، متعهدا بنقل السفارة الأميركية الى القدس، الأمر الذي كرره روبيو أيضا ولو بنبرة اقل حدة لم تصل الى حدود التعهد بنقل السفارة، أعلن ترامب انه سيكون حياديا في الموقف من الصراع الدائر مع الفلسطينيين، قائلا انه لن يكف عن دعم إسرائيل، وسيعمل ما بوسعه لضمان امنها وسلامتها، منتقدا سياسات اوباما تجاهها، لكنه اكد دعم عملية السلام بين الطرفين، وأنه لن يتخذ موقفا منحازا في هذا المجال، حفاظا على حياديته كمفاوض بين الفلسطينيين والإسرائيليين ومع جيران إسرائيل عموماً.

موقف ترامب لم يثر صيحات استنكار عارمة ضده مثلما ان مواقف منافسيه لم تستقطب تصفيقا حادا ومتواصلا، كما حصل خلال نقاش قضايا اخرى.

وأظهرت المناظرة ان قرار الهجوم الشامل على ترامب اتخذ على مستوى عال من قيادات الحزب الجمهوري، فقد عمد روبيو الى طرح كل الأوراق والملفات التي يمكنها النيل من ترامب، وقابله كروز بهجوم مماثل لأسباب تتعلق بحملته في ولاية تكساس مسقط رأسه على الأقل.

هكذا طرحت قضية التهرب الضريبي التي افتتحها المرشح السابق للانتخابات الأميركية عام 2012 ميت رومني، مثلما طرحت تعليقات الرئيس المكسيكي السابق الذي رفض فيها بناء الجدار مستخدما ألفاظا نابية ضد ترامب.

وتولى كروز طرح تاريخ ترامب السياسي والشخصي متهما إياه بأنه ديمقراطي وليبرالي، ولا علاقة له بالمحافظين وبدعمه للاجهاض وللابحاث الجينية، فيما ركز روبيو على سياساته الخارجية وعلى مشاريعه الاقتصادية وسياساته الضريبية والصحية. ورغم انه من المبكر التكهن في تأثير تلك المناظرة على آراء الناخبين الأميركيين، فإن وسائل التواصل الاجتماعي اشتعلت في التعليقات التي وصفتها بالعار والمخجلة بالنسبة إلى أداء المرشحين ومستوى الهجمات الشخصية والتهكمات المتبادلة، رغم تخللها محطات سياسية وحوارات حول قضايا خلافية.

غير أن بعض المعلقين اعتبروا أن ترامب سيهضم تلك الهجمات، على رغم إمكانية تحقيق كروز نجاحا في ولايته تكساس المحافظة عموما، مؤكدين انه سيهزم منافسيه في انتخابات «الثلاثاء الكبير» وفوزه بالتزكية خلال انعقاد المجمع الانتخابي في يوليو المقبل.