«أنواع للكتابة» تثير جدلاً في ندوة بالقاهرة
نظم المجلس الأعلى للثقافة المصري، ندوة بعنوان «ثلاثة أنواع للكتابة- الروائية والصحافية والتاريخية»، وتناولت إشكالية التخييل الأدبي وحقائق التاريخ، وصعوبة احتكار الصحافي للمعلومات بعد ظهور الإنترنت. أدارت اللقاء د. هدى وصفي المديرة السابقة لمركز الهناجر، بحضور د.أمل الصبان الأمينة العامة للمجلس، والكاتب الفرنسي روبير سوليه والروائي خالد الخميسي، ولفيف من الكتاب والباحثين.
لفت الكاتب الفرنسي روبير سوليه إلى تجربته في كتابيه «مصر الغرام.. العشق الفرنسي»، و{السيرة الذاتية للسادات»، ورواية «الطربوش»، وتدور في عصر الخديو إسماعيل، وارتكاز هذه الأعمال على مراجع وأبحاث عدة، وهي ترجمت إلى لغات مختلفة، وظهرت طبعتها العربية في بيروت، ولاقت رواجاً كبيراً. أوضح سوليه الفروق الجوهرية بين بحث المؤرخ في المصادر بطريقة موضوعية، وحيادية تأريخه للحوادث، وطرح الحكايات المتواترة لحدث ما، مثل معركة نابليون في مصر، فيما يتناول الروائي الحدث التاريخي من دون قيود، ويرتكز على التخييل، والصحافي يرصد الوقائع ويحلل المعطيات، ويواجه في اللحظة الراهنة، صعوبة احتكار المعلومات، وقد تصل إليه بعد ظهورها على الإنترنت.
أشار سوليه إلى أهمية الكتابة الموضوعية للتاريخ، وتحري المؤرخ لمصداقية الوقائع، وتجرده من الانحياز الأيديولوغي، والأخير أدى إلى ظهور الرواية التاريخية، وثمة نصوص أدبية كتبت برمزية لافتة، واستحضار شخصيات وحوداث ذات صلة بالحاضر، وتحمل نقدا كاشفاً لمثالب سياسية واجتماعية، مثل «عودة الروح» للكاتب الراحل توفيق الحكيم. من جهته، قال الروائي خالد الخميسي، إن الكاتب الحقيقي لديه من الخصوصية والتفرد، ليبدع أعمالاً ذات قيمة، ويبذل مجهوداً ضخماً في هذا السياق، ولا يكتب ليبيع أكبر عدد من النسخ، والحصول على قدر من المال، ومغازلة جائزة ما، ولا يحتكم إلى قسوة ماكينة النشر، وترويج بعض الناشرين لكتب تفتقر إلى العمق، وتزيف وعي القارئ. أكد الخميسي أن التمرد من سمات الكاتب الحقيقي، والتمكن من حرفية الكتابة وملامسة وجدان القارئ وعقله، وإعادة التفكير في الحوادث التاريخية، وما دام نشر عمله فلديه الأمل بأن يقرأه الناس، وإدراك أن النجاح يرتبط بموجات يصعب حسمها، وثمة كتب مهمة حققت رواجاً بعد سنوات من نشرها، وأخرى لاقت هجوماً ضارياً مثل كتاب «في الشعر الجاهلي» لطه حسين. الوقائع الغائبة في مداخلة للكاتبة الروائية هالة البدري، قالت إن انتشار الرواية التاريخية في العشرين سنة الماضية، ليس مصادفة، والسبب غياب المؤرخ الحقيقي، وإغفاله وقائع التاريخ الشعبي والإنساني، وثمة روايات عدة ألقت الضوء على شخوص وحوادث، وساهمت في إعادة قراءة وقائع أغفلها بعض المؤرخين. أشارت البدري إلى أن بعض المؤرخين القدامى مثل ابن إياس في كتابه «بدائع الزهور في وقائع الدهور» تجاهل تماماً الحياة الاجتماعية المصرية، واكتفى بسرد سير الولاة والسلاطين، كذلك الجبرتي حين وصف اقتحام الجنود الفرنسيين للأزهر، ولكنه لم يذكر أن طفلاً رأى والده يموت تحت أقدام الخيول، وهذا ما يلتقطه الروائي. من جهتها، قالت الكاتبة إقبال بركة إن ثمة علاقة متشابكة بين الصحافة والرواية والتاريخ، ولا يستطيع الروائي أن يكتب من دون مرجعية تاريخية، أو يعطي شيئاً ذا قيمة، وثمة وقائع لا يستطيع الخروج عنها، وحقائق حدثت وكتبها مؤرخون، بل يعرفها الدارسون والقراء والمعاصرون لها.أشارت بركة إلى تجربتها في كتابة رواية عن الأديبة المصرية ملك حفني ناصف أبرز رائدات الحركة النسائية وتحرير المرأة، وتدور في بداية القرن العشرين «من ثورة عرابي إلى ثورة 1919} إبان الاحتلال البريطاني لمصر، وزاوجت في كتابتها بين الأسلوب الصحافي، وخيال الروائي، وهدفت إلى تعريف الأجيال الجديدة بتلك الفترة المهمة من تاريخ مصر الحديث.الطربوش والقبعةأكد د. مجدي يوسف أستاذ الأدب المقارن وسوسيولوجيا المسرح أهمية المدخل الاجتماعي والاقتصادي لكتابة التاريخ، وضرورة الالتفات إلى هذا المبحث الغائب، ومن دونه لا نستطيع إدراك حقيقة الوقائع في أي عصر من العصور، وتحليل ما جرى على ضوء ارتباطه باللحظة الراهنة. قال الإعلامي جمال الشاعر إن الكتابة تشتبك مع التاريخ واللحظة التراجيدية الراهنة، وترتكز على دعوتها إلى التسامح، وترتهن لمزاج الكاتب في ظل معايشته الحوادث الجارية، ومواجهته إبداعياً وفكرياً موجات التطرف والإرهاب، وإدراك المتغيرات الاجتماعية والسياسية، وهذا ليس مطروحاً على الكتاب العرب فحسب، بل أيضا لنظائرهم في العالم الغربي. انتهى الشاعر إلى أن {الطربوش} في رواية روبير سوليه، يعد رمزاً ثقافياً لحقبة تاريخية، ووجاهة اجتماعية لأبناء الطبقات الثرية والمتوسطة والفقيرة، وارتداه { الباشاوات والبكوات والأفنديات} وبعد قيام ثورة يوليو 1952، ظهر الكاب والقبعة، والسؤال المطروح الآن على المؤرخ والصحافي والروائي: ماذا ترتدي مصر اليوم؟