هناك حاجة ماسة إلى معاهدة عالمية قوية لتنظيم الانبعاثات في المسطحات المائية، وتكمن معظم الخلافات اليوم حول مسألة المياه في الكمية التي سيحصل عليها كل طرف، كما ستندلع الصراعات في المستقبل بشكل متزايد حول نوعية المياه.

Ad

سيشكل اليوم العالمي للمياه في 22 مايو من هذا العام فرصة لإبراز أمر أصبح في كثير من البلدان واقعا قاتما: توافر المياه العذبة عامل استراتيجي حاسم في الشؤون الإقليمية والعالمية، وإذا لم يتم تدبير الموارد المائية بعناية فائقة يمكن أن تكون العواقب مدمرة.

في العام الماضي قام تقرير الأمم المتحدة لتنمية المياه العالمية مرة أخرى بتسليط الضوء على إمكانية اندلاع النزاعات بسبب اتساع الفجوة بين العرض والطلب، وقد صنف المنتدى الاقتصادي العالمي أزمات المياه من بين التهديدات العالمية الأكثر إثارة للقلق، وتنطوي على خطورة أكبر من الهجمات الإرهابية أو الانهيارات المالية، ومن المرجح حدوثها أحيانا أكثر من استخدام أسلحة الدمار الشامل، وقد أظهرت أبحاث مجموعة التخطيط الاستراتيجي أهمية التدبير الحكيم: من غير المحتمل أن تذهب البلدان المنخرطة في إدارة مشتركة للموارد المائية إلى الحرب.

وتعتبر منطقة الشرق الأوسط مثالا مأساويا لحالة انعدام التعاون الإقليمي، وقد تصارع العراق وسورية وتركيا على كل متر مكعب من نهري دجلة والفرات، وخسر الجميع في النهاية، وتسيطر جهات غير حكومية على أجزاء مهمة من أحواض النهرين، كما تسبب نقص المياه في تفاقم أزمة اللاجئين في المنطقة (وهذا نفسه نموذج لإدارة سيئة).

إن أسوأ جزء في هذه المأساة هو أنه كان من الممكن تجنب هذه النتيجة، ففي عام 2010، اقترحنا في منتدى غرب آسيا وشمال إفريقيا في عمان، إنشاء "دوائر التعاون"، والتي من شأنها مأسسة التعاون بين العراق والأردن ولبنان وسورية وتركيا حول قضايا المياه والبيئة، ومن شأن ترتيب مماثل أن يساعد إدارة الموارد البيئية المشتركة بين الأردن وإسرائيل وفلسطين.

وإذا ما تم إنشاء منظمة فوق وطنية أو إقليمية، من الممكن إدخال استراتيجيات مشتركة لتدبير أزمة الجفاف وتنسيق أنماط المحاصيل، ووضع معايير مشتركة لمراقبة تدفقات الأنهار، وتنفيذ الخطط الاستثمارية لخلق سبل العيش وتطوير تقنيات معالجة المياه.

لقد قامت مناطق أخرى بالشيء نفسه، وأدركت البلدان التي تتقاسم الأنهار في إفريقيا وجنوب شرق آسيا وأميركا اللاتينية أن المصالح الوطنية والاستقرار الإقليمي يمكن أن يعزز كل منهما الآخر إذا أعطيت الأولوية للاحتياجات البشرية بدلا من الشوفينية.

وفي الخريف الماضي، اعتمد المجتمع الدولي الأهداف الإنمائية المستدامة التابعة للأمم المتحدة، كما وعد "بضمان توافر المياه والتطهير للجميع والإدارة المستدامة لها". ويُعد جزء من هذا التعهد التزاما "بتوسيع التعاون الدولي".

يجب على القائمين على تنفيذ هذا الالتزام أن يضعوا في حسبانهم أن التعاون في مجال المياه ليس عبارة عن توقيع المعاهدات وعقد الاجتماعات فقط، بل يستلزم أيضا التخطيط للاشتراك في مشاريع البنية التحتية، إدارة الفيضانات والجفاف، وضع استراتيجية متكاملة لمكافحة تغير المناخ، ضمان جودة منابع المياه، عقد قمم بصفة منتظمة للتفاوض بشأن المقايضات بين المياه وغيرها من الخدمات العامة.

إن التعاون حول نسبة المياه مقياس أنشأته مجموعة التخطيط الاستراتيجي، الذي من شأنه أن يساعد البلدان التي تتقاسم أحواض الأنهار والبحيرات على مراقبة كثافة تعاونهم. من أصل 263 حوضا من أحواض الأنهار المشتركة، يستفيد الربع فقط من المنظمات التعاونية التي تعمل بشكل صحيح، ومن المهم جدا أن يتم توسيع هذه المنظمات لتغطية كل حوض نهر مشترَك في العالم بحلول عام 2030 حسب تنبؤ الأهداف الإنمائية المستدامة للأمم المتحدة.

وبالنسبة إلى الفقراء في العالم النامي، يولد هذا التعاون عبر الحدود أرباحاً كبيرة، وعندما تتفق الدول على بناء وإدارة البنية التحتية الحيوية، لن يكون هناك مجال لأي تأخير، ويتم خفض التكاليف، كما يجري تقاسم المنافع بالطريقة نفسها، وإذا قامت كل البلدان النامية التي لها أحواض أنهار مشتركة باحتضان التعاون عبر الحدود، يمكن أن يرتفع نمو الناتج المحلي الإجمالي بسهولة بمقدار نقطة مئوية.

يجب على المجتمع الدولي تشجيع البلدان على تبني هذا التعاون من خلال خلق آليات مالية تمنح الأموال الميسرة والتفضيلية، وقد تبدو خطة مارشال العالمية لأحواض الأنهار المشتركة مكلفة في البداية، لكن تكلفة التقاعس عن العمل، ونظرا للتهديد الذي تواجهه أوروبا وحدها من خلال التدفقات الهائلة للاجئين، يمكن أن تصبح بسهولة من حجم أعلى.

كما ينبغي للمجتمع الدولي أن يتحرك فورا لإنقاذ البنية التحتية للمياه الحيوية من أعمال العنف والإرهاب، فقد كانت وستظل العديد من الأنهار، بما في ذلك دجلة والفرات، مهدا للحضارة البشرية، ويجب على الأمم المتحدة النظر في تشكيل قوات خاصة لحفظ السلام من أجل حمايتها.

وأخيرا ينبغي أن يخطط القانون الدولي لمنع النزاعات وليس لحلها على وجه التحديد، فهناك حاجة ماسة إلى معاهدة عالمية قوية لتنظيم الانبعاثات في المسطحات المائية، وتكمن معظم الخلافات اليوم حول مسألة المياه في الكمية التي سيحصل عليها كل طرف، كما ستندلع الصراعات في المستقبل بشكل متزايد حول نوعية المياه، وستساهم ممارسات الري والتصنيع والتمدن في ارتفاع مستويات التلوث.

إن اليوم العالمي للمياه فرصة مثالية لإطلاق برنامج جديد لاستغلال المياه، لكن ينبغي ألا يمر يوم دون العمل معا لتدبير واحدة من أهم موارد كوكب الأرض.

الحسن بن طلال | Hassan bin Talal & سانديب وسليكار | Sundeep Waslekar

* الأمير الحسن بن طلال مؤسس ورئيس منتدى الفكر العربي ومنتدى غرب آسيا وشمال إفريقيا، وعضو بارز في الفريق الرفيع المستوى العالمي في مجال المياه والسلام. وسانديب وسليكار رئيس مجموعة التخطيط الاستراتيجي.

«بروجيكت سنديكيت، 2016» بالاتفاق مع «الجريدة»