«وجوه لا تُنسى»... حكايات فناني مصر المغمورين
يأتي كتاب «وجوه لا تُنسى» للناقد الفني والكاتب الصحافي محمود عبد الشكور على شكل «سيرة بصرية» موثقة بالكتابة لمشاهد محترف مُولّع بالفنانين المغمورين. ويستعرض المؤلف عبر سطور كتابه الصادر حديثا في مئتين وواحد وسبعين صفحة، بورتريهات عن مشخصاتية «ممثلين» مصر الذين لم ينالوا نصيباً وافراً من الشهرة التي تتناسب مع حجم موهبتهم وحضورهم في أعمال كثيرة.
يمثّل كتاب «وجوه لا تُنسى» انتصاراً لكثير ممن خذلتهم الشهرة في الوسط الفني، فقرّر المؤلف محمود عبد الشكور أن ينصفهم محاولاً توثيق سيرتهم وأبرز أعمالهم. غير أنه وبذكاء لافت لم ينجر إلى رتابة الموسوعات الفنية الجامدة التي تكتفي بثبيت تاريخي لميلاد ووفاة الممثل وعدد أعماله وما إلى ذلك من معلومات جامدة صامتة، واستطاع أن يعرض سيرة من لحم ودم عن المغمورين مستعيناً بخبرة الصحافي الباحث عن المعلومة، وعين الناقد الفني التي تنفذ إلى عمق ما قدمه الممثل من أفلام وأدوار ويختار أهمها، عارضاً ومُحللا أسباب نجاح الممثل في تقديمها للمشاهد.تحرّر الكتاب وصاحبه من التوازنات فتناول سيرة ممثلين كثر، ولم يضطر إلى ملء صفحات كثيرة بكلمات لا طائل فيها، فجاء بعض الممثلين في نصف صفحة رغم شهرته قياساً بغيره من غير المشهورين، فيما اقتنص الكتاب لممثلين لا يعرف القارئ سوى أشكالهم أكثر من صفحة، عدّد فيها عبد الشكور مساحات وأسباب تأثير الممثل ومكمن عبقرية تمثيله.200 فنان وفنانة يعرض «وجوه لا تُنسى» لنحو مئتي فنان وفنانة، من مختلف الأجيال والأدوار مرتبين أبجدياً، ويتناول سيرة فنانات جميلات من مثل آمال فريد وزبيدة ثروت وشريهان وشيرين، وفنانات تركن أثراً جميلاً أبرزهن آمال زايد وجمالات زايد، وإنعام سالوسة وزوزو ماضي وميمي شكيب وغيرهن.يتوقف الكتاب عند سعاد أحمد، وهي زوجة عبدالفتاح القصري في فيلم ابن حميدو. ويؤكد عبد الشكور أنه «يكفيها دورها في هذا الفيلم حتى نتحدث عن كوميديانة رائعة لا يعرف كثيرون اسمها مع الأسف، سعاد أحمد (1907 - 1962) تصول وتجول في دور زوجة الريس حنفي المتسلطة، حضور مذهل أمام عبد الفتاح القصري... من الغريب أن سعاد بدأت التمثيل في السينما في وقت مبكر جداً، وشاركت قبل «ابن حميدو» في عدد كبير من الأفلام من دون أن نجد لها دوراً يقترب من شخصيتها في هذا الفيلم.والتزم عبدالشكور بالترتيب الأبجدي، فبدأ بالفنان «أحمد الجزيري.. العمدة الظريف»، وانتهى بالفنان الكبير يوسف داود ضحكة تبتلع الهموم»، واستطاع الكتاب أن يمنح بعض المظلومين حقوقهم ومن بينهم أحمد سامي عبد الله، إبراهيم الشامي، إبراهيم سعفان، حامد مرسي، حسن كامل، حمدي سالم، زكي الفيومي، زين العشماوي.ملمح ذاتيلعلّ أميز ما تضمنته صفحات الكتاب هو ذلك الملمح الذاتي الذي ينطلق من خلاله المؤلف لعرض البورتريهات عن وجوه لا تنسى، وانطلاقاً من مواقف خاصة شخصية جداً تمكّن المؤلف المتمكن من تمهيد حديثه عن شخوص الممثلين، على ما جاء مثلاً في عرضه بورتريهاً عن الفنانة إحسان القلعاوي، والتي استهل المؤلف حديثه عنها بالعودة إلى فترة دراسة الكاتب في كلية الإعلام بجامعة القاهرة، وكيف أنه لاحظ الشبه اللافت بين أستاذته في الجامعة والفنانة القديرة. وخلال حديث عابر مع شقيقه الأكبر الذي يدرس في كلية الآثار نقل له ملاحظته فأكد له صحتها وأنها ابنة الفنانة إحسان القلعاوي، وزاد أن لها ابنة أخرى تعمل في التدريس بكلية الآثار في الجامعة نفسها. ومن هذه النقطة، انطلق صاحب الكتاب متحدثاً عن شخصية الفنانة، مستخدماً الأسلوب ذاته في الحديث عن كثير من الممثلين الذين التقاهم مصادفة في أماكن عامة، فأعادته ذاكرته إلى أدوارهم المؤثرة التي لا تنسى.