استحقاقات العجز التجاري في الولايات المتحدة

نشر في 26-03-2016
آخر تحديث 26-03-2016 | 00:01
هناك عدة طرق يستطيع من خلالها أحد الشركاء التجاريين الانسحاب ومعه قيمة أكثر من الآخرين، أولاها التخلف عن السداد، والثانية التضخم الذي يمثل عجزاً جزئياً ، فضلاً عن التلاعب بمعدلات الصرف.
 بلومبرغ • في مقابلة جرت في الآونة الأخيرة على احدى المحطات الفضائية الأميركية قال الاقتصادي في معهد ماساشوستس للتقنية ديفيد أوتور إن العجز التجاري يمثل قرضاً يتعين سداده، وهذه قضية تنطوي على أهمية نظراً لأن الولايات المتحدة عانت عجزاً تجارياً كبيراً منذ عدة عقود.

وقد أسعدني أن أسمع أحد الأشخاص وهو يتحدث عن هذه الحقيقة التي يندر أن يعترف بها، ولكن لم يكن كل شخص يشعر بسعادة ازاء ذلك.

وعندما كررت بيان ديفيد أوتور قال دان آيكنسون وهو مدير مركز "هربرت اي ستيفل" لدراسات السياسة التجارية في معهد "كاتو" إنني لا أفهم كيفية عمل التجارة وأن العجز التجاري ليس قرضاً، وكان دان آيكنسون مخطئاً، وهذا يوفر فرصة تنطوي على أهمية من أجل شرح طريقة عمل العجز التجاري.

ولنفترض أننا نتحدث عن دولتين هما ألمانيا والولايات المتحدة، ولنفترض أيضاً ان ألمانيا أعطت الولايات المتحدة سيارة، ولكن ألمانيا ليست دولة تقدم احساناً وهي لا تقوم بمنح الآخرين سيارات، وعليه فسوف يتعين على الولايات المتحدة تقديم شيء ما في المقابل. واذا حصلت الولايات المتحدة على السيارة من ألمانيا بصورة مجانية فإن تلك العملية تدعى مساعدة وليست تجارة على أي حال.

المقابل

والسؤال هو ما الذي تقدمه الولايات المتحدة الى ألمانيا مقابل ذلك؟ قد ترسل بضائع حقيقية يمكن استخدامها أو خدمات من نوع ما، مثل بعض الذرة، ربما، أو بعض النسخ من ويندوز 10 وإذا قدمت الولايات المتحدة الى ألمانيا الذرة والبرامج بكميات تعادل قيمة السيارة فإن تلك العملية تدعى تجارة متوازنة.

والبديل في هذه الحالة ان الولايات المتحدة اذا شعرت انها تنمي اي ذرة أو تكتب أي برامج في الوقت الراهن فإنها تستطيع أن تكتب الى ألمانيا قائلة أنا مدينة لك. وقد تستطيع الولايات المتحدة دفع ثمن السيارة ليس عن طريق الذرة أو البرامج بل بالدولار. ويمكن لألمانيا عندئذ استخدام الدولارات لشراء بعض أصول مالية أميركية طويلة الأجل مثل سندات الخزانة الأميركية أو بعض الأسهم في شركة أبل، وفي تلك الحالة نحن نقول أن الولايات المتحدة تتعرض الى عجز تجاري مع ألمانيا لأنها حصلت على أشياء ذات قيمة حقيقية من ألمانيا ( وهي سيارة في هذه الحالة) فيما يكون كل ما حصلت ألمانيا عليه في مقابل ذلك هو مجرد قصاصة من الورق.

ولكن عند نقطة ما سوف تريد ألمانيا مبادلة قصاصة الورق بشيء ينطوي على قيمة حقيقية، من أشياء يستطيع المواطن الألماني استخدامها والاستمتاع بها. ثم إن أي شخص في ألمانيا يحمل أصولاً مالية أميركية لا يستطيع استخدامها في بلده، وتستخدم ألمانيا اليورو وليس الدولار، وقد يستطيع بيع الأصول بالدولار الى ألماني آخر مقابل أصول مقيمة باليورو، ولكن من شأن ذلك تأجيل المسألة، وعند نقطة ما سوف يقرر احد ما استخدام الأصول بالدولار من أجل الحصول على أشياء ذات قيمة حقيقية يمكن أن يستخدمها، وأين يمكن انفاق الدولارات؟ في الولايات المتحدة.

لعبة العملات

عند تلك النقطة سوف يبيع المواطن الألماني أصوله ذات القيمة الدولارية مقابل الدولار ثم يستخدم تلك الدولارات من أجل شراء سلع أو خدمات من الولايات المتحدة، وعند تلك النقطة سوف تحصل الولايات المتحدة على فائض تجاري وتتعرض ألمانيا الى عجز تجاري وتتغير اللعبة، حيث تحصل الولايات المتحدة على قصاصة من الورق وتتلقى ألمانيا مادة ذات قيمة في المقابل.  ويصور هذا المثل كيفية كون العجز التجاري قرضاً لسلع حقيقية وخدمات، والدولة التي تعيش فائضاً تجارياً تتخلى عن القيمة وتقوم بعمل حقيقي وتستنزف الوقت الحقيقي والموارد، في مقابل مجرد ورقة وعود، وعند نقطة ما في المستقبل سوف تريد الدولة التي تحصل على ورقة وعود الحصول على أشياء ذات قيمة في المقابل، وعند تلك النقطة سوف تتمكن من الحصول على تلك الأشياء من دون بذل أي جهد أو نفقات موارد.

والآن توجد عدة طرق يستطيع من خلالها أحد الشركاء التجاريين الانسحاب ومعه قيمة أكثر من الآخرين.

وتتمثل الطريقة الأولى في التخلف عن السداد، والأصول المالية التي يملكها أحد ما في ألمانيا قد تفقد قيمتها قبل أن تتم مبادلتها مقابل أشياء حقيقية. وفي وسع الولايات المتحدة أن تختار التخلف عن سداد ديونها السيادية ما يفضي الى هبوط في قيمة سندات الخزانة، أو أن تفلس شركة "أبل" وتفقد أسهمها كل قيمتها. وإذا حدث ذلك فلن يتمكن أحد في ألمانيا من استرداد القيمة الكاملة للسيارة التي قدمت الى الولايات المتحدة التي تكون قد حصلت على القليل أو لا شيء على الاطلاق (على الرغم من أن التخلف عن السداد قد يفضي الى الحاق الضرر بالاقتصاد الأميركي).

وتتمثل الطريقة الثانية في التضخم الذي يمثل عجزاً جزئياً عن السداد، ويمكن أن يرتفع التضخم في الولايات المتحدة ما يعني أن الدولار سوف يشتري أشياء أقل من حيث القيمة الحقيقية مما كان الحال في السابق، وفي هذه الحالة سوف يصاب الألماني الذي يملك الأصول المالية الأميركية، وهو ينتظر القيام بعملية شراء، بحظ عاثر.

وتتمثل الطريقة الثالثة في التلاعب بمعدلات الصرف. ومن خلال الأساليب التقنية المعقدة مثل الرقابة على رأس المال يمكن لدولة ما مبادلة البضائع والخدمات بنوعية ذات قيمة أقل، ولنفترض أن المواطن الألماني – ولسبب ما – سوف يطلب أصولاً مالية أميركية بما يعادل 5000 كيس من الذرة في مقابل سيارة واحدة من طراز فولكسفاغن، ولكن الحكومة الألمانية التي تريد رعاية صناعة سياراتها عن طريق تشجيع كميات أعلى من الانتاج تقرر جعل ذلك المواطن يبادل تلك السيارة بأصول مالية تساوي 3000 كيس فقط من الذرة. وفي تلك الحالة سوف تحصل ألمانيا على ما هو أقل من القيمة العادلة لسيارتها، ويشابه ذلك ما يعتقد الكثيرون أن الصين كانت تفعله مع الولايات المتحدة في حقبة الـ 2000.

معنى العجز التجاري

وهكذا فإن العجز التجاري يمثل الحصول على قرض، ولكن ذلك القرض لا يتعين دائماً تسديده بالكامل – كما أن شروط القرض قد تكون في بعض الأوقات ملائمة بشكل غير عادل الى المقترض.

وعلى الرغم من ذلك فإن معظم ما نحصل عليه عبر عجزنا التجاري سوف يتعين علينا تسديده ذات يوم، ويكاد يكون في حكم المؤكد أن الولايات المتحدة لن تتخلف عن سداد ديونها السيادية – وقد ترتفع معدلات التضخم ولكن ذلك سوف يشطب بشكل جزئي فقط المبلغ المطلوب. والناس في دول اخرى يملكون الكثير من الأصول المالية الأميركية وإذا قرروا استعادتها فإن الدولة عند تلك النقطة سوف تضطر الى اعطائهم بضائع وخدمات تكلف الأميركيين الوقت والجهد والموارد.

واليوم، قد يظن الأميركيون أنهم يحصلون على أشياء مجانية من خلال العجز التجاري، ولكن ذلك ليس مجانياً، وذات يوم، نحن، أو بشكل أكثر دقة، أولادنا سوف يتعين علينا تقديم شيء في المقابل.

* Noah Smith

back to top