{بيروت مدينة اللحظة}، هكذا تصف المخرجة الكويتية فرح الهاشم بيروت، المدينة التي تتغير فيها الحياة باستمرار نظراً إلى تتالي الأحداث التي تشهدها، وتعكس من خلالها حكايات المدن العربية التي تعاني الظروف نفسها...

Ad

تصوّر فرح شرائح مجتمعية مختلفة وتسجل نظرتها إلى بيروت وعلاقتها وصديقتها ناتاشا بها وصراعهما  معها بعد قدومهما من الخارج للإقامة فيها.

اللافت أن ثمة خطين متوازيين في الفيلم: القصة التي ترويها من خلال حوارها مع صديقتها وهما يسيران في شوارع بيروت، ولائحة مفصلة من 21 سؤالا وجهتها للمشاركين في الفيلم، أرادت من خلالها أن يفتحوا قلبهم ويصفوا  علاقتهم ببيروت.

اختارت {ترويقة في بيروت} اسماً للفيلم، لأن هذه الفترة من النهار تشهد وقوع أحداث، سواء حسنة او سيئة،  ولأنها تشكّل بداية جديدة  وتدعو إلى الأمل والتفاؤل.

يشارك في الفيلم مجموعة من الممثلين، من بينهم: بديع أبو شقرا، المخرج محمود حجيج،  الممثل عبد الرحيم العوجى، ناتاشا شوفاني، الممثلة زينة مكي ومواهب شابة...

 يقدّم كل واحد من هؤلاء  صورة مختلفة عن المواطن اللبناني الذي ينوء تحت ثقل الأحداث والمعوقات التي تصادفه يومياً، مع ذلك لا يترك مدينته  بل يتأقلم معها ويستمر في  الحلم رغم الأوجاع التي تدمي قلبه والظروف السياسية التي تحدّ من طموحته وتجعله يعيش هواجس المستقبل.

من خلال شهادات  ممثلين وغير ممثلين،  توصل فرح فكرة أن اللبنانيين، مهما كانت انتماءاتهم وميولهم، يلتقون على قاسم مشترك وهو أن اللبناني هو ملك في وطنه بينما قد يكون في دول العالم مجرد رقم، وهذا التحدي بالذات يدفعه إلى التمسك ببلده  والبقاء فيه.

لأن بيروت مدينة المتغيرات، كتبت فرح سيناريو الفيلم مرات عدة، ففي كل مرة تزور بيروت، آتية من نيويورك مقر عملها،  كانت تلمس أن ثمة تغيرات حصلت فيها، فتضطر إلى تغيير السيناريو ليلائم الوضع، وبقيت على هذه الحال حتى بدأت التصوير، وثمة مواقف ارتجالية نشأت من متغيرات حصلت في المدينة خلال التصوير.

تأرجح

لطالما حلمت فرح منذ كانت على مقاعد الدراسة بتصوير فيلم عن بيروت، بعدما تشرّبت حبها من والدتها اللبنانية، وهي تستحق الثناء والتقدير، للجهود التي بذلتها لإنجاز الفيلم، فهي كاتبة السيناريو ومنفذة الإخراج والمونتاج وممثلة فيه أيضاً، وذلك رغبة منها في تسليط الضوء على وجوه في بيروت لا يعرفها إلا من يقيم فيها. لكن إلى أي مدى نجحت فرح في ذلك؟ هنا ترتسم تساؤلات عدة:

 تصنف فرح الفيلم بأنه روائي مع أنه في الحقيقة يتأرجح بين التوثيقي والروائي، فلا سيناريو روائياً محدداً، ولا هو عمل توثيقي بكل ما للكلمة من معنى.

التقطت كاميرا فرح مشاهد  في أحياء يبدو أنها لم تخترها بعناية بل جاءت عشوائية، ولا تدلّ على هوية بيروت وخصوصيتها ولا حتى معاناة المواطنين فيها. فإذا  هدفت من ذلك تصوير أحياء شعبية، ففي  بيروت أحياء شعبية جميلة  تعكس نمط  حياة الناس العاديين، فيما هي اكتفت بتصوير شوارع وأبنية قد يخالها البعض في أي مكان خارج  لبنان، كونها لا ترتبط بمقومات المدينة التي تمتاز بتنوّع شرائحها المجتمعية.

في المشاهد التي تظهر فيها وهي تتجوّل مع صديقتها بالسيارة، تبدو ضاحكة على الدوام،  فيما جاءت مشاهد الفيلم الأخرى قاتمة، كان من الأفضل أن تعكس ذلك بمعنى أن تكون أكثر جدية في الحوار، وتبرز أحد وجوه بيروت النابض بالحياة. صحيح أن ثمة معاناة  يومية تكبّل اللبناني، لكنه يتقن الضحك ويعرف كيف يفرح ويتعالى على الجراح، هو المعروف عنه حبّه للحياة، فيما يعطي  الفيلم انطباعاً مغايراً بأن اللبنانيين  محبطون على الدوام.

جميل أن تصوّر فرح شارع الحمرا في بيروت، هذا الشارع المرتبط بالذاكرة الاجتماعية للمدينة، لكن لم تلتقط الكاميرا خصوصيته بل اكتفت بتصوير رصيف وبضعة متاجر. مع العلم أن شارع الحمرا  له جذور تعود إلى ستينيات القرن العشرين وحكايات تُروى عن مقاهيه والمراكز الثقافية فيه  وملاهيه التي  لا تنام إلا عندما يبزغ الصباح.

عبثية

تؤكد فرح في مقابلاتها أنها صوّرت بيروت كما تراها هي وعلى حقيقتها وبواقعية شبه عبثية باحثة عن حلم سيبقى معلقاً وستسعى إلى تحقيقه وهذا سرّ عشقها لها. طبعاً لفرح أسلوب تعبير خاص بها، لكن ثمة عبثية جميلة مستمدة من  الحياة اليومية، بمعنى أن فرح كان بإمكانها تصوير  كيف أن اللبناني يغطي البشاعة على الجدران بالرسم الغرافيتي، كيف يتجاوز المشاكل الاقتصادية بالإصرار على العمران، كيف لا  تتوقف حياته عند حدث معين بل تبدأ من جديد مع كل طلة شمس بأمل وتفاؤل.

بيروت الحقيقية هي بيروت الناس الذين يرتادون دور السينما والمعارض ويتفاعلون مع الحياة بكل مباهجها ويسخرون من الأوضاع الصعبة، فيقيمون حفلات الزفاف ويحتفلون بالمناسبات الاجتماعية، رغم الأزمات. بيروت هي الأبنية الراقية أيضاً، هي عجقة الناس الذين يمارسون رياضة المشي على الشاطئ أو يتسامرون أو يتعرفون على بعضهم البعض...

هذه هي بيروت بوجهيها السلبي والإيجابي، هذه هي بيروت التي تدفع مواطنيها إلى كرهها لكنهم يعودون إلى حبّها من جديد، كما تقول في الفيلم.

تتوقف فرح عند  مشاكل بعينها من بينها سعي الدولة  لإزالة «الدالية» في منطقة الروشة في بيروت التي ارتبطت بذاكرة اللبنانيين، زحمة السير الخانقة، تحول بيروت إلى علبة اسمنتية، وفي الوقت نفسه تلقي الضوء على  بيروت «مينا الحبايب» كما يصفها بديع ابو شقرا، بيروت التي تترك أبناءها ليجدوا فرص عمل في الخارج بالنسبة إلى ناتاشا، بيروت محبوبة العرب كما تراها الصحافية عواطف الزين...  لكن هؤلاء جميعهم لا يكمّلون الصراع الذي يتحكّم بعلاقة  اللبناني مع بيروت... قد يكونون نماذج مختلفة لكنها ليست شاملة.

 تعتمد فرح في الفيلم اللغة الإنكليزية في حوارها مع صديقتها، مع أنها تتوجه إلى الجمهور العربي، ورغم أن الأخير يتقن بأغلبيته الإنكليزية إلا أن اللغة هي أساس هوية الفيلم، فلماذا إذاً استعمال لغة أجنبية في فيلم عربي؟  

نبذة عن  الهاشم

فرح الهاشم كويتية لأم لبنانية، حصلت على ماجستير في الفنون الجميلة والسينما  في أكاديمية الفنون في نيويورك ولوس انجلس، وعملت ديبلوماسية في بعثة الكويت في الامم المتحدة. حصلت على بكالريوس في الصحافة والإعلام  في الجامعة اللبنانية الأميركية في بيروت (2009).

عملت في المجال الإعلامي أكثر من  10 سنوات، وانتجت نحو سبعة أفلام قصيرة من بينها: «٧ساعات» الحائز أربع  جوائز عالمية كافضل فيلم عربي  في المهرجان الأوروبي في باريس، أفضل تمثيل، أفضل سيناريو  في «مهرجان سانتا مونيكا» بلوس انجلس. فضلا عن مسلسل «اسرار بيروت» على يوتيوب. تقيم فرح حالياً بين الكويت ونيويورك.

جوائز

عرض «ترويقة في بيروت» في «مهرجان الإسكندرية لدول البحر المتوسط»، «مهرجان الفيلم اللبناني في استراليا»، وفي مهرجانات عالمية في البندقية وغيرها...  وقد حاز على تنويهات في المهرجانات التي عرض فيها، وحصلت مخرجته ومنتجته فرح الهاشم على درع تكريم  في «مهرجان السينما والتلفزيون الذي  تنظمه نقابة الفنيين السينمائيين في لبنان برعاية وزارة الثقافة .