مسقط التي في القلب
يمنعك البعد والعمل عن متابعة ما تحب، وليس هناك أحب من متابعة معارض الكتب في العالم العربي، وهي نشاط ثقافي لا يقتصر على بيع الكتب أو تسويقها، بل هي احتفالية رائعة تضم الكتاب والقراء وتجمعهم في زمان ومكان محددين، وكأنهم ضربوا مواعيد رتبت لهم.وفي كل مرة أحاول أن أرتب أموري لحضوري معرض مسقط للكتاب أفشل لأسباب عدة، ويبقى الأمل أن ألتقي زملاء الكتابة والقراءة في عام جديد. ولكن ذلك لا يمنع من متابعة الاحتفال عبر شبكات التواصل الاجتماعي، والالتقاء بالزملاء الذين يحتفون بإصداراتهم العديدة، التي تمثل هطلاً ثقافياً مهماً، ورافداً أهم للثقافة الخليجية والعربية.
لعمان مكانة ثقافية كبيرة ومهمة، وهي تعيش أجواء الكتاب والحراك الثقافي، وللزملاء في عمان محبة خاصة في محاولاتهم الجادة على تحقيق نشر ثقافي ومعرفي. وما يثلج الصدر حقيقة هو علاقاتهم النبيلة التي ترسمها طيبة أهل عمان ومحبتهم للآخر، وهو ما تفتقده ساحات ثقافية أخرى ومنها الكويت تحديدا. عمان لا تعلمنا سوى المحبة والتواضع واحترام الجيل للذي سبقه، واحتفاء الجيل بالذي يليه. والأسماء التي تطلقها عمان سنوياً تبشر بكثير من الوعي، سواء على مستوى النقد أم على مستوى الإبداع. وكنت أتمنى أن أذكر الأسماء جميعها، ولكنني لن أسمح للذاكرة بأن تخونني فأنسى الكثيرين منهم. ما يميز معرض الكتاب في مسقط هذا العام هو مشاركة دور نشر كويتية شجاعة وجريئة أخذت على عاتقها المساهمة ثقافياً في المعرض، وهي دور خاصة لا تلقى دعماً من جهة رسمية، حسب ظني، ولكنها جاءت نتيجة جهود مثقفين وكتاب يؤمنون بأن حركة النشر هي جزء مهم وأصيل في الحركة الثقافية. فبعد أن كانت مشاركة الكويت في أغلب المعارض تتمثل بمساهمة المؤسسة الرسمية ممثلة بوزارة الإعلام والمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، والتي تقوم عادة بإرسال موظفي الوزارة لتوزيع مطبوعاتها، أصبحت دور النشر الخاصة تؤدي الدور الأهم وتتحمل في بعض الأحيان تكاليف قد لا تعوضها في تلك المشاركات، وهي تنافس دور عربية لها الحظوة الكبرى في ذهن القارئ.وجميعنا نتمنى أن تهتم المؤسسة الرسمية بتشجيع هذه الدور التي تتلمس طريقها، وتتحمل معها جزءاً من تكاليف نشر الكتاب الكويتي. وأعلم يقيناً بأن الزملاء الناشرين لن يطلبوا ذلك. ولتأت المبادرة من المجلس أو "الإعلام". لا ضير أن نعامل هذه الدور التي تمثل الكويت في المعارض الثقافية كما نعامل الفرق الرياضية أو الغنائية التي تشارك في النشاطات العربية المختلفة. وهو دعم يسير لا يقارن بغيرها.رحيل الشاعر والصحافي والكاتب زهير الدجيليفي زمن يبدو عصياً عليه أن يعود كنا نقرأ اسم زهير الدجيلي على "تتر" البرنامج الإبداعي الأهم للتعاون الخليجي المشترك "افتح يا سمسم"، وكان الرجل أحد أركان هذا العمل الذي شكل ذاكرة جيل بأكمله. الدجيلي الذي غادرنا وقد اتخذ من الكويت وطناً كتب فيه أهم أعماله التلفزيونية والإذاعية كان رجلاً نقياً في زمن ضبابي. غادرنا دون أن يعلم إن كانت طيوره الطائرة قد وصلت إلى أهله. فلك الرحمة أيها الجميل.