أزمة أوروبا.. رد الفعل العرقي تجاه اللاجئين
تشهد أوروبا راهناً تشكّل ائتلاف لا إنساني، فقد التقت أخيراً مجموعة من القادة السياسيين في فيينا بهدف تنسيق الخطوات الضرورية لإقفال ممر اللاجئين غرب البلقان، ترفض الدول المشاركة في هذا اللقاء، مثل مقدونيا، وكرواتيا، وصربيا، المخاطرة باستضافة آلاف الأشخاص العالقين في مجتمعاتها الفقيرة، وتتوقع أن تنجح في منع بؤس العالم من بلوغ مناطقها، إذ تسببت عمداً بكارثة إنسانية في اليونان التي اضطرت هذا الأسبوع إلى ترجي مقدونيا لإعادة فتح حدودها، عندما علق نحو 4 آلاف لاجئ في مناطقها الحدودية.صحيح أن النمسا استقبلت العام الماضي 90 ألف لاجئ، إلا أنها قررت أخيراً الانضمام إلى الدول التي تفرض "حصصاً" على طالبي اللجوء وتُرسل اللاجئين نحو ألمانيا، ففي محاولة لتفادي الكارثة في الانتخابات المقبلة ضد حزب الحرية القومي برئاسة هاينز كريستيان شتراخه، انتقلت القيادة النمساوية الخائفة من الاعتدال الديمقراطي-الاجتماعي إلى التطرف اليميني في غضون بضعة أشهر. نتيجة لذلك تراجع المستشار فايمان أمام نجم قومي ناشئ: وزير الخارجية البالغ من العمر 29 سنة، سيباستيان كورز، الذي عمل جاهداً لتطويق اليونان عقب فشل محاولة إرغام الحكومة اليونانية على التصدي للمراكب في بحر إيجه، وهكذا صنّف الإعلان الذي صدر عن لقاء هذه الدول أزمة اللاجئين مسألة هجرة غير مشروعة، متجاهلاً بازدراء عذاب مئات آلاف الهاربين من الحرب.
لنتأمل قليلاً هذا "الغزو" الذي يعارضه هؤلاء القادة، إذ تُظهر الأرقام أن 34% من اللاجئين أولاد، والآلاف منهم لا مرافق لهم، وتشكّل النساء 20% إضافية، إذاً يتألف هؤلاء اللاجئون بغالبيتهم من العائلات الهاربة من الصراع، حتى إن أقل من نصفهم بقليل سوريون يسعون هم أيضاً إلى الهرب من التطرف الإسلامي، فضلاً عن ذلك تعادل أعداد اللاجئين المتدفقة أقل من 0.5% من سكان أوروبا، إذاً لم يشكل اللاجئون مطلقاً مشكلة يعجز الاتحاد الأوروبي عن إدارتها، بل تحوّلوا إلى مشكلة للدول الأم، لكن اللجوء إلى الخيارات القومية يمثل حلاً وضيعاً. سيحظى مَن يعلّقون الآمال على القادة الأقوياء المتعنتين بمفاجأة كبيرة، فمن المؤكد أن الإعلان رسمياً عن إخفاق أوروبا في التفاعل جماعياً مع هذه الأزمة سيؤدي إلى رد فعل معاكس تجاه مؤسسات الاتحاد الأوروبي، ولا شك أن تفكك نظام المؤسسات، مهما كان غير فاعل أو مكروهاً، سينعكس سلباً داخل الدول، وستؤدي العدائية القومية بين الدول إلى تبديد عقود من العلاقات الدبلوماسية المستقرة. نتيجة لذلك سيؤثر تراجع النشاط الاقتصادي في مختلف أرجاء القارة في الأجور أيضاً، وعندما تنشأ مشاكل أخرى لن يشكّل شركاء الاتحاد الأوروبي عامل استقرار لحلها، بعد أن يكون انعدام الثقة والنزاهة قد تفشى كالمرض. بلغنا نقطة اللاعودة ولا نملك أي خطط، ولا تستطيع اليونان الاستمرار على هذا النحو، ويعود ذلك خصوصاً إلى أن سلسلة من التطورات السياسية دفعت بحكومتها غير الفاعلة إلى موضع لا ترغب في بلوغه: دفاعها عن اتفاقية اللاجئين لعام 1951 وهي تنتظر بيأس حلاً أوروبياً للاجئين الوافدين، أعلن المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، الذي سيزور أثينا في غضون أيام، التزام المفوضية بزيادة تدخلها في عمليات الاستقبال، متعاونةً مع الحكومة اليونانية، وعليه ألا يتأخر في الوفاء بتعهده هذا. أما المفوضية الأوروبية فستقوم بالأمر الوحيد الذي تتقنه: تسديد الفاتورة، لأنها ستخسر الكثير إن لم تفعل ذلك.علاوة على ذلك من الضروري البدء بتطبيق خطة إجلاء إنسانية (من تركيا واليونان) تشرف عليها الأمم المتحدة ولا تقتصر على الاتحاد الأوروبي، وإن رفض المسؤولون التكنوقراط وقادة الدول في الاتحاد الأوروبي وضع خطة مماثلة في بروكسل، فثمة سبيل آخر إلى إنجازها، فقد اقترحت البرتغال الأسبوع الماضي استقبال لاجئين من اليونان، كذلك توصل المسؤولون الإقليميون الإسبان أخيراً إلى اتفاق لنقل ألف لاجئ، متخطين نظام النقل البطيء الذي يعتمده الاتحاد الأوروبي، وهكذا تكون الحلول اللامركزية الصغيرة النطاق أسهل من الناحية القانونية ولا تتطلب تمويلاً كبيراً، فضلاً عن أنها ترسم نموذجاً لحلول مماثلة مستقبلية.تستطيع المجتمعات الديمقراطية تحقيق ما أخفقت الدول في إنجازه بالتفاعل مع الأزمة الحقيقية التي تواجهها أوروبا اليوم: رد الفعل القومي والعرقي في مختلف أرجاء القارة، فما زال عدد كبير من الناس يتذكرون إلقاء مسؤولية إخفاق أوروبا على عاتق الضعفاء في الماضي، وإلى أين قد يؤدي ذلك، لذلك لن نستسلم.* أبوستوليس فوتياديس