بينما يغرق ساسة العراق في جدل التعديل الوزاري ومزاعم الإصلاحات، يتقدم الجيش والقوات المساندة له بنحو مفاجئ للكثيرين في الأنبار غرب بغداد، ويتوقف تقدمه في قاطع نينوى بسبب خلافات قومية بين العرب والكرد ونقص التعزيزات.

Ad

فبعد استكمال تطهير مدينة الرمادي مركز محافظة الأنبار، من عناصر «داعش»، نجح الجيش في تحرير مدينة هيت، الواقعة إلى الغرب منها بنحو ٨٠ كيلومتراً، وطوال الأشهر الأربعة الماضية، حافظت القوات العراقية على تقدم بطيء، لكنه متواصل في قاطع الأنبار المحاذية للأردن وسورية والسعودية، والتي سقطت بيد التنظيم المتطرف منذ عام ٢٠١٤.

وكان الخبراء يستبعدون أن ينجح الجيش في تحقيق هذا التقدم، خصوصاً أنه لم يستعن بمتطوعي الحشد الشعبي الشيعي، وكان يعمل وسط أنباء عن تفخيخ شامل لمدينة الرمادي سيمنع دخول أي قوة إليها، لكن المصادر تتحدث عن تطور كبير في الجهد الهندسي العراقي؛ مكّنه من التعامل مع المباني الملغمة بنحو معقد، مستعيناً بدعم تقني واضح من المستشارين الأميركيين، رغم أن ذلك أدى عملياً إلى هدم نحو ٥٠ في المئة من المباني في المركز الحضري.

ومن المتوقع أن يواصل الجيش تقدمه وصولاً إلى منطقة القائم آخر نقطة على الحدود السورية، لأن تكتيكات داعش لم تعد تصمد بوجه الغطاء الجوي الدولي، وحجم الخبرة، التي توافرت لدى العراقيين والأميركيين حول أساليب «داعش» في القتال، فضلاً عن ازدياد الضغط على التنظيم المتشدد في جبهة نينوى الشمالية، رغم أن استكمال تحرير الأنبار بحاجة إلى تعزيزات عسكرية لن تتاح بسهولة، كما تؤكد مصادر عسكرية، إذ إن ذلك يتطلب السيطرة على محافظة مساحتها الجغرافية تشكل ثلث العراق.

ويتزامن ذلك، مع بدء عودة النازحين إلى مدينة الرمادي، المدمرة والتي تعود اليها الخدمات ببطء شديد ولا تتوفر اموال لانطلاق عملية إعمارها وسط تدهور اقتصادي حاد يمر به العراق، وكثير من البلدان النفطية، كما أن عودة الأهالي ستتطلب استئناف الجدل حول نوع الإدارة الأمنية والسياسية، بنحو يمتص التطرف ويجفف منابع العنف، لكن بغداد المشغولة بصراعات البيت الشيعي، لن تجد الوقت لذلك في هذه اللحظة.

وعلى عكس الصورة الإيجابية غرب بغداد، تأتي معطيات غير مشجعة من قاطع نينوى. ففي نهاية مارس، تحقق تقدم ملحوظ هناك بعد تنسيق نادر بين الجيش العراقي والقوات الكردية ومتطوعين من العشائر السنية، ونجحت هذه الجهود في عبور دجلة حتى منطقة القيارة، انطلاقاً من منطقة مخمور الاستراتيجية، وتحرير عشرات القرى هناك، لكن العمليات توقفت بنحو مفاجئ، بعد نشوب خلافات، يقال إنها حادة بين قوات البيشمركة الكردية والجيش حول «عمليات انتقامية» نفذت بحق بعض الأهالي، كما تزعم مصادر عربية، بينما يرد الأكراد بنفي ذلك وتحميل الجيش مسؤولية خروقات عدة منحت داعش فرصاً للمناورة.

ورغم تضارب المعلومات، فمن الواضح أن تلك العمليات لم تكن انطلاقاً حقيقياً لتحرير الموصل، بقدر ما هو تأمين لقاعدة عسكرية في مخمور الفاصلة بين نينوى وأربيل، يوجد فيها عشرات الضباط الأميركيين الذين يقدمون الإسناد للقوات العراقية.

ولا يزال أمام القوات الحكومية نحو ٥٠ كيلومتراً حتى مركز مدينة الموصل، التي يسيطر عليها داعش، وهي مسافة تنتشر فيها عشرات البلدات الزراعية الموصوفة بأنها حاضنة لمناصري التنظيم المتطرف.