هل فعلاً اقتربت الحرب العالمية الثالثة؟!
هل فعلاً ستكون هناك حرب عالمية ثالثة كما هدد رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف، وكما هدد غيره، وكما تشير كل التدخلات الخارجية في سورية التي لم يعد بالإمكان تحديدها وحصرها بدقة وبدون زيادة أو نقصان؟! لم تكن الأمور معقدة في أوروبا على هذا النحو عندما انطلقت شرارة الحرب العالمية الأولى من سراييفو، عندما كانت تابعة للإمبراطورية النمساوية، ولم تكن الأمور معقدة أيضاً عندما اندلعت الحرب العالمية الثانية كما هي معقدة الآن في سورية، فهناك صراع دولي بلغ ذروته ووصل إلى نقطة الانفجار بعد الاحتلال العسكري الروسي لهذا البلد العربي، وهناك تنظيمات مسلحة كل تنظيم منها له دولته الخاصة، وله جيشه، وله سجونه، وله قوانينه، وله حروبه، والتقديرات الأخيرة، إذا أضفنا الميليشيات الطائفية التي استوردتها إيران، تشير إلى أن هناك على أرض هذا البلد أكثر من ستين تنظيماً كبيراً وصغيراً، إضافة إلى امتدادات الدول الكبرى والصغرى التي لكل واحدة منها امتداداتها وأجهزتها الأمنية وقواها السرية والعلنية.
وهكذا فإن واقع الحال، خصوصاً بعد الغزو العسكري الروسي، وبعدما أصبح القرار الرسمي السوري في يد فلاديمير بوتين لا في يد بشار الأسد، يشير إلى أن ما هدد به ميدفيديف، الذي ظهر على الشاشة متأخراً، قد يحدث في أي لحظة، وأن الحرب بامتداد تداخل كل هذه التشكيلات العسكرية قد تندلع في أي وقت... لكن هل هذه الحرب ستكون حرباً عالمية ثالثة، وحرباً كونية أم أنها ستكون محدودة هدفها تحسين المواقع، على غرار ما يجري الآن في حلب وإدلب وعلى الحدود السورية- التركية؟! وهنا، ونحن بصدد البحث عن إجابات لأسئلة كثيرة تزداد يوماً بعد يوم، فإنه لا بد من الأخذ بعين الاعتبار أنَّ أميركا باتت تتعامل مع هذه الأزمة العاصفة، كأنها خرجت منها، فعلياً وعملياً بصورة نهائية، في حين اتخذت الدول الأوروبية بمعظمها، إن لم يكن كلها، كما هو واضح، حالة الانكفاء السلبي على الذات بعد تلك الضربة الإرهابية في باريس التي ستكشف الأيام المقبلة أنَّ أصابع الذين أوصلوا الأمور إلى ما وصلت إليه غير بعيدة عنها، والمقصود هنا تحديداً هو هذا النظام السوري وهو إيران، وربما روسيا على علم مسبق بما حدث، ولكن بدون أن تكون متورطة فيه بصورة مباشرة. ولهذا ولأن الولايات المتحدة قد انسحبت من الميدان تدريجياً، ولأن الدول الأوروبية الفاعلة قد "انكمشت" على نفسها، وباتت تكتفي بالتصريحات الموسمية، فقد سارعت روسيا إلى ملء الفراغ عسكرياً وسياسياً، وأصبحت تشكل الرقم الرئيسي في هذه المعادلة الخطيرة، متكئة على بؤس الموقف الأميركي في عهد هذه الإدارة التي يرأسها باراك أوباما... مما يعني أنه قد تكون هناك حربٌ إقليمية، لكن لن تكون هناك الحرب العالمية التي هدد بها ديمتري ميدفيديف. إنه إنْ لم يكن هناك تحرك سريع لبروز كتلة عربية- تركية تتصدى للروس والإيرانيين، حتى وإنْ اقتضى الأمر اندلاع حرب إقليمية، فإن الروس سيلغون "سايكس- بيكو" سيئة الصيت والسمعة، وسيرسمون خريطة جديدة لهذه المنطقة ستكون أسوأ منها، وسيكون اللون الرئيسي فيها هو لون الأقليات المذهبية والدينية والعرقية المتحالفة، وكل هذا سيكون على حساب عرب هذه المنطقة: "الهلال الخصيب والجزيرة العربية"، وبالتالي وبالطبع على حساب الأمة العربية.