السؤال المحير هو: ماذا قدم هذا الصندوق للأجيال التي تأسس من أجلها؟ ففلسفته هي استفادة المواليد الجدد من الثروة الوطنية، لكن الواقع الكويتي هو عكس ذلك تماماً، فعلى سبيل المثال فإن جيل التسعينيات وما بعدها هم الأكثر معاناة في ظل ارتفاع الأسعار وتدني الخدمات، وهذا الجيل لم يشهد أي مشاريع جديدة تناسب طموحه وتطلعاته المستقبلية.

Ad

مر على إنشاء صندوق الأجيال القادمة (40) سنة بالتمام والكمال، أي أن مواليد عام 1976 إلى الآن هم أصحاب الحق والشركاء الفعليون في هذا المشروع الطموح الذي اقترحه المغفور له الشيخ جابر الأحمد لضمان حصة جميع الكويتيين من ثروة النفط.

يبقى رصيد هذا الصندوق أحد الأسرار التي لا تعلنها الحكومة، ولذلك يبقى الرقم متأرجحاً بين التوقعات والتخمينات ليتراوح بين (290) مليار دولار كأقل التقديرات و(400) مليار دولار كأعلاها، ولكن هذه الأرقام لا تعكس المنطق والمؤشرات الاقتصادية الكويتية.

الصندوق انطلق بما نسبته من 50% من صندوق الاحتياط العام للدولة عام 1976 بالإضافة إلى 10% من إيرادات الدولة النفطية وارتفعت هذا النسبة إلى 25% في عام 2013، ناهيك عن الأرباح المركبة والمتراكمة التي تجنيها استثمارات هذا الصندوق على مدى أربعة عقود والتي تراوحت بين 7 و20%.

إذا أخذنا بعين الاعتبار أسعار النفط وتفاوتها منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي، حيث بلغت (10) دولارات وحتى عام 2013 عندما وصلت إلى (120) دولارا ودون الدخول في تفاصل الحقب الزمنية، فإن أقل التقديرات تشير إلى أن حجم استقطاعات النفط يفترض أن تصل إلى 350 مليار دولار، ولو أضفنا الأرباح المضافة من الاستثمارات وأصول الصندوق مع بداية إنشائه لن يكون رصيد الصندوق أقل من نصف تريليون دولار.

هذا الرقم بحد ذاته، ورغم ضخامته لا يقارن بصندوق الأجيال النرويجي الذي أنشئ بعد صندوقنا بثلاثين سنة، إذ تصل موجوداته إلى (900) مليار دولار، ومع ذلك يبقى الصندوق الكويتي كنزا لا يفنى.

السؤال المحير هو: ماذا قدم هذا الصندوق للأجيال التي تأسس من أجلها؟ ففلسفة الصندوق هي استفادة المواليد الجدد من الثروة الوطنية، لكن الواقع الكويتي هو عكس ذلك تماماً، فعلى سبيل المثال فإن جيل التسعينيات وما بعدها هم الأكثر معاناة في ظل ارتفاع الأسعار وتدني الخدمات، وهذا الجيل لم يشهد أي مشاريع جديدة تناسب طموحه وتطلعاته المستقبلية، فهو يعيش على "فضلة" مستشفيات السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، ويدرس في المباني المدرسية المتهالكة وبعضها آيل للسقوط، ويزاحم الأجيال السابقة في الشوارع القديمة، ولا يشاركهم سوى في الحصى المتطاير ليحطم زجاج سياراتهم، وتم وضعهم في ذيل القائمة المنتظرة للسكن الحكومي، وفرص العمل والتنافس على المناصب الإدارية العليا تحولت إلى مجرد حلم يائس!

المشكلة أن الدولة عجزت وتراخت أو حتى امتنعت عن تحقيق حلم الشباب، وفشلت في إقامة أي مشروع تنموي حقيقي منذ التحرير، وفي عز الوفرة المالية والانسجام المجتمعي والاستقرار السياسي، فكيف الحال ونحن أمام صعوبات اقتصادية ونسيج وطني ممزق ووضع سياسي في غاية السوء؟!

لكن أرباح صندوق الأجيال القادمة إذا كانت 10% من أصل (400) مليار دولار وهو تقدير أولي تكون (40) مليار دولار في السنة، فكم من مشروع جميل يمكن أن يتم تقديمه لأبنائنا من الأجيال القادمة التي أصبحت أول دفعتها من مواليد 1976 على أعتاب أن يكونوا أجداداً وجدات؟