فجر يوم جديد: «سلاح التلاميذ» !
بعد النجاح الجماهيري المدوي للمسرحية الكوميدية «مدرسة المشاغبين»، التي بدأ عرضها للمرة الأولى في مصر بعد أيام من حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973، تحولت المسرحية إلى صرعة فنية «موضة»، وسارعت شركات إنتاجية إلى استثمار نجاحها من خلال تحويلها إلى أفلام، مثل: «مدرسة المشاغبين» (1973) و»شلة المشاغبين» (1974) وغيرهما، لكنها لم تحقق النجاح التجاري المنشود، وظلت أقرب إلى المسخ الفني والنسخة المشوهة!اليوم، وبعد ما يقرب من ثلاثة وأربعين عاماً على الظاهرة، تعود السينما المصرية لتقديم مسخ آخر يحمل عنوان «سلاح التلاميذ»، التقط مشاهد من «مدرسة المشاغبين» وأخرى من «الناظر» (2000)، تأليف أحمد عبد الله وإخراج شريف عرفة، حيث «عاشور» الناظر الصارم الذي أورث ابنه الفاشل مدرسته التي يديرها رجل فاسد، لكن الابن ينجح في مقاومة الفساد ومواجهة الفوضى، والوصول بالمدرسة إلى بر الأمان، وهو نفس ما جرى بالضبط في فيلم «سلاح التلاميذ»، الذي كتبه محمود صابر وأخرجه تامر حربي، وحملاه بما لا يطيق من رسائل وقضايا، كالربط بين الانهيار والفوضى والتخلف وقيام ثورة 23 يوليو 1952، التي أمعنت في اضطهاد الأغنياء والتنكيل بالأثرياء والباشاوات، عبر تأميم ممتلكاتهم، ومصادرة أموالهم، وهو المأزق الذي واجه «فهمي باشا أبو الخشب»، الذي وُضع قصره تحت الحراسة، ومع حلول العام 1966 تحول إلى مدرسة، وعاش أياماً صعبة سجين الطابق الأخير للقصر، وتزوج خادمته، وأنجب منها «سليم» (سعيد طرابيك)، الذي رفع قضية ضد الحكومة في العام 1985 استرد بعدها جزءاً من أموال والده، بالإضافة إلى الحكم بإشرافه على المدرسة، إلى حين الفصل في قضية استرداد مبنى المدرسة والأرض التي تبلغ مساحتها عشرين فداناً!
يلجأ الفيلم إلى الراوي للتعريف بالشخصيات، والأحداث، في حين يتجسد كل شيء أمامنا على الشاشة من دون غموض يحتاج إلى الاستعانة بهذا الراوي، وتبدأ المبالغة مع رصد التدهور الذي أصاب العملية التعليمية، وتشخيص أسباب الهوة الشاسعة بين التلاميذ وهيئة التدريس، بسبب التعامل بعنف وقسوة، وانشغال المدرسين بتأمين لقمة عيشهم، واختيار طاقم تدريس لا يتمتع بكفاءة من أي نوع، فالكوميديا خشنة، والغلظة صارخة، والفقر الإنتاجي واضح، والتلفيق ملموس، إذ يوصي «سليم» محاميه (تامر ضيائي) بأن ترث «راجية» (سندريلا) ابنة شقيقه الذي هاجر إلى أميركا بعد نكسة 1967 (اختيار التاريخ من دون مبرر!) ثروته، ومع وصولها من (أميركا) تبدأ الفتاة المتخصصة في التنمية البشرية خطوات الإصلاح والتغيير والقضاء على الفوضى والارتقاء بأحوال المدرسة، بدعم من الخادمة «سمر» (نسمة ممدوح) والضابط «عماد» (حسن عيد) قبل أن يكتشف المتابع لأحداث الفيلم أن ثمة خدعة ومكيدة للاستيلاء على ثروة «سليم»، التي تتجاوز الـ 40 مليون جنيه! أظهر المخرج تامر حربي براعة في اختيار زوايا التصوير، وتصميم الكادرات (تصوير محمد حمدي) وتميزت موسيقى د.أشرف سالم، باستثناء أغاني الأطفال المفرطة، لكن عانى الفيلم بعض الفوضى والتشويش والثرثرة (مونتاج محمد عباس)، بعد إصراره على تناول قضايا كثيرة، كالتحرش ورفض المتحرشات تحرير محاضر للمتهمين، والتطرق بلا مبرر للانتفاضة ضد الشرطة بسبب التعذيب، وتهريب المساجين، رغم اختيار ضحية لا تستحق التعاطف، ووضعه روشتة ساذجة لإصلاح التعليم في العالم الفقير، وتأمين حق الطفل في التعليم والتربية والعلاج، واستيراد خبراء من الصين، والسعي لاستعارة الخلطة السبكية (الفرح الشعبي). غير أن أسوأ ما في فيلم «سلاح التلاميذ» أنه قدم صورة مشينة عن الفقراء، الذين لا تخلو أفعالهم وسلوكياتهم من دناءة، وانحطاط، بل هم مجموعة من الأوغاد، النصابين، الأنذال، البلطجية، اللصوص، الهجامين وناكري الجميل. وفي سياق ليس ببعيد قدم الفيلم أطول فلاش باك لشخصية درامية (ماضي «عماد» الذي انتحل صفة الضابط)، وفاجأنا بنهاية عبثية انتصر فيها الخير، بعد القبض على الأشرار جميعاً والحكم عليهم بالسجن المؤبد، وهدم المدرسة (القصر)، وتحويلها إلى قرية سياحية (السياحة أهم من التعليم !). ومن ثم كان طبيعياً في ظل مناخ متردٍّ كهذا أن يعمل «ميدو» في متجر موبايلات، رغم حصوله على بكالوريوس الخدمة الاجتماعية، وتحصل «يارا» على شهادة متوسطة، وتلتحق بمتجر لبيع السلع الرخيصة، بينما يتحول «أوشا» إلى سائق «ميكروباص» و»معجزة» إلى نجم سينما (لاحظ المغزى: الفاشلون يصبحون نجوماً في السينما!).«سلاح التلاميذ» فيلم انحرف عن هدفه، وتورط في أكثر من مسار، ومن ثم فشل في أن يخاطب الأطفال كما عجز عن إرضاء الكبار، بسبب الرؤية المتهافتة للمؤلف، والإمكانات المتواضعة للمخرج، والفقر الإنتاجي الذي انعكس على عناصر عدة، على رأسها طاقم التمثيل الذي انحصر في وجوه من الصف الثاني والثالث، مثل: ياسر الطوبجي، نسمة ممدوح، إيمان السيد، حسن عبد الفتاح، مراد فكري صادق، أحمد حبشي وفتحي سعد في حين لم يترك الوجهان الجديدان: حسن عيد وسندريلا أي بصمة تُذكر!