في أكبر إنجاز دبلوماسي لوقف الحرب المستمرة في سورية منذ مارس 2011، بدأ منتصف ليل الجمعة - السبت سريان أول هدنة واسعة، شهد اليوم الأول لتطبيقها وقفاً لإطلاق النار شمل المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام السوري والمعارضة على حد سواء، في حين تواصلت عمليات القصف في أخرى لم يشملها الاتفاق الأميركي - الروسي أبرزها حماة.

Ad

نعِم سكان المناطق السورية المشمولة بوقف إطلاق النار بصباح هادئ أمس، بعد دخول الاتفاق الروسي- الأميركي المدعوم من الأمم المتحدة حيز التنفيذ اعتباراً من منتصف ليل الجمعة- السبت.

و"تفادياً لأي أخطاء"، أوقف الجيش الروسي أمس جميع طلاعات الجوية التزاماً بالهدنة المعلنة، بحسب رئيس هيئة العمليات الحربية الروسية الجنرال سيرغي رودسكوي، الذي أكد للصحافيين، أن "سلاح الجو الروسي أوقف بالكامل عمليات القصف في المنطقة الخضراء، أي في القطاعات التي توجد فيها مجموعات مسلحة تقدمت بطلبات لوقف إطلاق النار".

وأعلن رودسكوي تشكيل مراكز روسية- أميركية بهدف تثبيت الهدنة، موضحاً أن خطوط اتصالات مباشرة بين موسكو وواشنطن عبر المركز الروسي في قاعدة حميميم الجوية باللاذقية، لتحقيق المصالحة بين الأطراف المتنازعة والمركز الأميركي في سلطنة عمان.

بدوره، أكد رئيس مركز الهدنة في قاعدة حميميم سيرغي كورالنكو أن وقف إطلاق النار بدأ في 34 منطقة مأهولة، بما في ذلك حماة والسلمية وشربا، مبيناً أن المركز الروسي في حميميم يضم 61 ضابطاً روسياً ومهمته تكمن في المساعدة على إبرام تفاهمات، لتوسيع وقف إطلاق النار بين الأطراف المعنية وضمان الالتزام بالهدنة.

هدوء ملحوظ

ورغم سقطوط عدة قذائف صاروخية على أحياء سكنية مصدرها حي جوبر ومدينة دوما في ريفها، شهدت العاصمة دمشق هدوءاً في جميع أرجائها وفي الضواحي الشرقية، بينما تضامن ناشطون ومعارضون، على مواقع التواصل الاجتماعي مع مدينة داريا، معقل الفصائل المقاتلة في الغوطة الغربية في ريف دمشق والتي استثناها النظام من الاتفاق، لوجود عناصر من "جبهة النصرة" فيها، الأمر الذي تنفيه الفصائل المقاتلة في المنطقة.

وساد الهدوء في حلب، التي شهدت جبهاتها معارك شبه يومية بين الفصائل المقاتلة والقوات النظامية منذ يوليو 2012. وفي ريف حلب الشرقي والجنوبي، أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بمواصلة الجيش النظامي معاركه ضد الجماعات الإسلامية التي لم يشملها الاتفاق، مشيراً كذلك إلى اشتباكات متقطعة في محافظة اللاذقية.

تفجيرات حماة

وشهدت محافظتا حمص وحماة (وسط)، التي نفذ فيها الطيران الروسي غارات مكثفة في الآونة الاخيرة هدوءاً ملحوظاً خلال الساعات الأولى لبدء العمل بوقف النار، بحسب المرصد.

وفي منطقة غير مشمولة باتفاق وقف إطلاق النار في ريف حماة، قتل 6 أشخاص، وأصيب آخرون بجروح من جراء ثلاثة تفجيرات بينها اثنان انتحاريان وفق وكالة الأنباء الرسمية (سانا)، التي ذكرت أن "مجموعات إرهابية تابعة لداعش وجبهة النصرة تنتشر في ريف مدينة السلمية" حيث وقعت التفجيرات.

خروقات النظام

في المقابل، اتهم المتحدث باسم "جيش الإسلام" إسلام علوش القوات الحكومية بإسقاط برميلين متفجرين وفتحت النار على مواقعه أمس، ضمن انتهاكات عديدة لاتفاق وقف الأعمال القتالية في منطقة الغوطة الشرقية القريبة من دمشق، مشيراً إلى أنها حاولت التقدم في إحدى المناطق لكن تم التصدي لها بالرشاشات.

وأكد فارس البيوش قائد جماعة "فرسان الحق"، التي تقاتل تحت لواء الجيش الحر أن "هناك مناطق توقف القصف فيها، ولكن هناك مناطق حصلت فيها خروقات من قبل النظام كمنطقة كفرزيتا في حماة عن طريق استهدافها بالمدفعية، وكذلك مورك في الريف الشمالي لحماة. نحن نترقب الوضع وملتزمون بالهدنة من قبل تشكيلات الجيش الحر"، محذراً من أن "استمرار هذه الخروقات قد يؤدي إلى انهيار الاتفاقية".

اجتماع جنيف

وفي جنيف، أعلن مبعوث الأمم المتحدة ستيفان ديميستورا اجتماعا جديدا لفريق العمل، الذي شكلته الدول الـ17 في "المجموعة الدولية لدعم سورية" سيعقد تناول أمس تقييم الالتزام باتفاق وقف الأعمال العدائية في الساعات الأولى من دخوله حيز التنفيذ.

وقال ديميستورا، إن التقارير الأولى تشير إلى أن القتال "هدأ" على الرغم من تسجيل حادث واحد يجري التحقيق فيه، مضيفاً أن فريق العمل يدرس "أي حوادث يمكن أن تقع وما يجب فعله لاحتوائها. وهذا الأمر سيكون اختباراً".

مراكز عمليات

وأوضح ديميستورا أن الولايات المتحدة وروسيا، اللتين تترأسان فريق العمل لتقييم وقف إطلاق النار، "أقامتا مراكز عمليات منفصلة في موسكو وواشنطن واللاذقية وعمان"، إلى جانب مركز عمليات للأمم المتحدة يعمل بلا توقف في جنيف، مبيناً أن هذه المراكز "ستجمع المعلومات حول المخالفات"، بينما تساعد الأمم المتحدة في التحليل و"تقع على عاتق رئيسي فريق العمل مهمة معالجة حالات الخرق".

وشدد ديميستورا على أن فريق العمل سيعالج أي خرق بالوسائل الدبلوماسية، موضحاً أن "رداً عسكرياً سيكون الحل الأخير".

مفاوضات جنيف

وفي وقت سابق، أعلن ديميستورا أنه يعتزم الدعوة إلى جولة مفاوضات سلام جديدة لإيجاد تسوية سياسية للنزاع في السابع من مارس، مشترطاً أن "يصمد وقف الأعمال العدائية في شكل شامل، ويتم الالتزام بإيصال المساعدات الإنسانية".

وقال دي ميستورا، أمام مجلس الأمن عبر الدائرة التلفزيونية المغلقة أمس الأول، "أعوّل على أعضاء المجموعة الدولية وعلى مجلس الأمن، لضمان عودة الأطراف المعنيين إلى جنيف مع استعدادهم للتحاور والاستمرار فيه حول القضايا الجوهرية".

تدخل أميركي

على صعيد متصل، ساعد عناصر من القوات الخاصة الأميركية "قوات سورية الديمقراطية" وحلفاؤها في تحقيق انتصار جوهري على "داعش" باستعادة مدينة الشدادي معقل التنظيم في الريف الجنوبي لمدينة الحسكة هذا الاسبوع، بحسب المتحدث باسم الائتلاف الدولي الكولونيل كريس غارفر في اتصال هاتفي من بغداد.

وفي تل أبيض، الذي أكد الائتلاف الدولي شنه 10 ضربات جوية لصد هجوم "داعش" على المدينة، قتل 45 على الأقل من التنظيم و20 من وحدات حماية الشعب في الاشتباكات الدائرة في المنطقة.

المناطق المشمولة بوقف الأعمال العدائية

ينفذ اتفاق وقف الأعمال العدائية في سورية في جزء صغير فقط، نتيجة سيطرة "داعش"، و"جبهة النصرة" المستثنيين منه على أكثر من نصف البلاد.

وبحسب مصدر سوري والمرصد السوري لحقوق الإنسان، فإن المناطق المعنية بالاتفاق تقتصر على الجزء الأكبر من ريف دمشق، ومحافظة درعا جنوباً، وريف حمص الشمالي (وسط)، وريف حماه الشمالي (وسط)، ومدينة حلب، وبعض مناطق ريفها الغربي (شمال).

وبينما ينفذ وقف الأعمال العدائية في الغوطة الشرقية لدمشق، وبشكل أساسي مدينتا دوما وعربين، تبدو العقبة الأساس هي مدينة داريا، معقل الفصائل الإسلامية والمقاتلة في الغوطة الغربية، إذ يؤكد الجيش النظامي أنها غير مشمولة بالاتفاق لوجود مقاتلين من "النصرة" فيها، الأمر الذي تنفيه المعارضة تماماً.

وفي حمص، التي تسيطر قوات النظام على مجملها، تقتصر الهدنة على الريف الشمالي، وتحديداً مدن اللطامنة والرستن وتلبيسة والحولة، التي تسيطر عليها الفصائل المقاتلة منذ عام 2012، في حين يسيطر "داعش" على الجزء الأكبر من الريف الشرقي، خصوصاً مدينة تدمر الأثرية.

وفي حلب، من المفترض أن تتوقف الأعمال العدائية في المدينة، التي تسيطر الفصائل غير الجهادية على أحيائها الشرقية، خصوصاً في بلدتي الأتارب ودارة عزة منذ عام 2012، فيما يسيطر النظام على الأحياء الغربية.

وفي ريف حلب الشمالي، سيكون تنفيذ الاتفاق معقداً، حيث تتواجد "النصرة" إلى جانب الفصائل المقاتلة، خصوصاً في بلدتي كفر حمرة وحريتان، بينما يتوقع أن يتواصل القصف والمعارك في الريف الشمالي الشرقي، حيث ينتشر "داعش" في مدينتي الباب ومنبج.

ولا يشمل الاتفاق محافظتي دير الزور (شرق) والرقة (شمال) الواقعتين بشكل شبه كامل تحت سيطرة "داعش"، ومحافظة إدلب (شمال غرب) التي يسيطر عليها، باستثناء بلدتين، "جيش الفتح"، وهو عبارة عن تحالف من فصائل اسلامية أهمها "جبهة النصرة".

وبينما يخوض النظام بدعم الروس معارك ضد "النصرة" وجهاديي الجبهة التركستانية في ريف اللاذقية الشمالي، لا يتوقع تنفيذ الاتفاق في محافظة القنيطرة الحدودية مع الجولان المحتل لوجود "النصرة" هناك.