أقول لكل من يعتنقون الأفكار والمبادئ التي تضع الوطن في منطقة الأمان لا عند الحافة، لستم مقصرين بالشكل الذي يشيعه من لا يختار غير الطائفي والعنصري، ثم يحملكم وزر إصلاح الأوضاع التي ساهم في وضع أساساتها، هذا الزمان ليس زمانكم وأدوات التغيير بيد أصحاب القرار المؤجل.

Ad

بعد كل نهاية "ظاهرية" لأي من الصراعات المتناسخة أقوم بقياس حجم الأضرار التي ستمكث في الأرض وتقدير المسافة المتبقية لما نحن فيه من تشاحن لا ينتهي، وغالبا ما تكون النتيجة سلبية وتشير إلى أنه ما زال للبغض متسع.

الصراعات على مختلف أشكالها مزعجة، ولكن يبقى الصراع السياسي أهون الشرور؛ لأنه قابل للتصفية على طاولة المفاوضات، ولكن كيف نصفي الصراع الاجتماعي الفئوي البغيض عندما يتأجج في النفوس؟ وأي طاولة مفاوضات سحرية يمكنها أن تمنعه من الانتقال إلى الزمن اللاحق الذي يليه؟

الصراع الطائفي المستند إلى الدين وتفسيرات مشايخ الدم هو أخطر الصراعات وأكثرها دمارا ودواما، لأنه يوصل الأوطان إلى منطقة "الحافة" ويتركها تواجه خطر السقوط بسبب أي صراع تافه، وتكاليف التعافي منه دائما ما تكون باهظة الثمن ومدة العلاج طويلة الأمد.

لقد وقعت الكويت في حفرة الصراع الطائفي لأسباب خارجية في مرحلة سابقة، ثم خرجت منها لفترة من الزمن بعد تحرير الكويت من الاحتلال العراقي، وهذا أيضاً سبب خارجي آخر، أي الحل لم يكن صناعة محلية، ومع الأسف الشديد عدنا للأجواء نفسها وبرفقتها صراع آخر مكشوف الرأس هو الصراع الاجتماعي الفئوي، بعد أن وجدت السلطة وبعض الأطراف المخالفة لها أن الاستثمار في الصراعين يعزز المواقع السياسية، ويخلق أوضاعا يصعب تبديلها بسهولة.

من هنا يمكن فهم حالة النفور من الخطاب الوطني الجامع، واستيعاب الاتفاق النادر بين "الطائفيين والعنصريين" على محاربة ذلك الخطاب وممثليه؛ لأنه يمثل نقيضهم والتجسيد الحقيقي للكويت المتسامحة التي تستوعب الجميع.

والآن أقولها لكل من يعتنقون الأفكار والمبادئ التي تضع الوطن في منطقة الأمان لا عند الحافة، لستم مقصرين بالشكل الذي يشيعه من لا يختار غير الطائفي والعنصري، ثم يحملكم وزر إصلاح الأوضاع التي ساهم في وضع أساساتها، هذا الزمان ليس زمانكم وأدوات التغيير بيد أصحاب القرار المؤجل، قدموا البديل وارفعوا صوتكم وسط هذه المعمعة حتى تحين اللحظة التاريخية التي لا يجد الناس بُداً من السير نحو منطقة الأمان لا نحو الهاوية.