فجر يوم جديد : «من ضهر راجل»!
أخطأ صانعو فيلم «من ضهر راجل» عندما تشبثوا بكل تفصيلة درامية في السيناريو، وحرصوا على ترجمتها بصرياً على الشاشة، ما أدى إلى ترهل الإيقاع، وإصابة المتلقي بقدر كبير من التخمة، بعد وصول مدة عرض الفيلم إلى 142 دقيقة، بينما كان بمقدورهم التكثيف، والاختزال، والوصول إلى الرسالة بأقصر الطرق، بعيداً عن الملل الذي طعن الفيلم في مقتل!«من ضهر راجل» هو الفيلم الثاني للمخرج الشاب كريم السبكي، بعد «قلب الأسد» (2013)، لكنه الأول بالنسبة إلى المؤلف محمد أمين راضي، الذي ذاع صيته بعد مسلسلاته التلفزيونية الناجحة مثل: «نيران صديقة» (2013)، «السبع وصايا» (2014) و»العهد (الكلام المباح)» (2015). لكن يبدو أن الفارق شاسع بين قدرته على الكتابة التلفزيونية، التي تتيح له الاستطراد، وربما الثرثرة، والكتابة للسينما، التي تحتاج إلى الإيجاز والاختزال، وهي العقبة التي واجهته في الفيلم.
يحكي الفيلم قصة الشاب «رحيم» (آسر ياسين)، الذي نزح، عقب ولادته مباشرة ووفاة أمه، إلى القاهرة، مع والده «أدهم» (محمود حميدة)، وهناك تكفل العم «ناصر» (محمد لطفي) بالاهتمام به وتدريبه على الملاكمة، ما أوغر قلب ابنه الشيخ «طه» (شريف رمزي) تجاه صديقه، الذي خطف فتاته، ورفيقة طفولته «مي» (ياسمين رئيس)، ولم يتوقف لحظة عن الكيد له، ولأبيه، وكأنه إبليس، وهو الذي درس الفقه، وحفظ القرآن.أطاح الفيلم بالثالوث المقدس في السينما المصرية (الزوج والزوجة والعشيق) واستبدل به ثالوثاً آخر (السلطة والدين والأمن)، فيبدأ بلوحة تقول: «أحداث الفيلم ليست مرتبطة بفترة زمنية محددة وشخصيات الفيلم ليست لها علاقة مباشرة بأية شخصية واقعية»، ما يثير الشك والريبة، ويُجبر المتابع على الربط بين ما يراه على الشاشة وأحداث كثيرة تجري على أرض الواقع، كالضابط «علاء» (صبري فواز)، الذي يسيء استخدام وظيفته، ويكون «خلية نائمة» من البلطجية ليقمع البشر، ويُحكم السيطرة عليهم، و»طه» الشيطان الرجيم، الذي يتمسح بالدين، ويوظفه بشكل أضر سماحته، ليصبح أشد فتكاً، وتغريراً بالناس، بسبب الجهل، والعشوائية، والتعتيم على الحقيقة، التي يدعو الفيلم إلى ضرورة إعلانها كي لا يستغلها البعض للصيد في الماء العكر، أو تقود إلى عواقب وخيمة («رحيم» تتوتر علاقته بوالده «أدهم» لأنه أخفى عنه ماضيه)، كذلك الحال بين الضابط وابنه. فالفيلم يتبنى، من بين رسائله الكثيرة، مقولة «الآباء يأكلون الحصرم والأبناء يضرسون»، لكن المشاهد الحركية تطغى على العمل، مثلما تطغى المؤثرات على الموسيقى، التي وضعها عمرو إسماعيل، ولم يتخلص فيها من تأثره بموسيقى «واحد من الناس»، وطوال زمن الفيلم تتساقط الجثث، وتتفجر الشاشة بالدماء، كأننا بصدد النسخة المُرممة من «إبراهيم الأبيض». ويتفنن المخرج كريم السبكي في استعراض إمكاناته، والكشف عن قدراته، خصوصاً في إدارة المعارك، لكنه يبالغ كثيراً في اختيار زوايا عجيبة للتصوير، على طريقة المخرج حسام الدين مصطفى («طه» يسجد والكاميرا تحت الأرض ثم الكاميرا في عمق الثلاجة لتصور من يفتحها!). لكن الأعجب أن السيناريو يكاد يوحي بأن أجهزة الأمن تلفق التهم للمواطنين، لابتزازهم وإخضاعهم، وفجأة نكتشف أنها على حق، وأن «أدهم» كان بلطجياً بالفعل، وصاحب ملف متخم بالآثام. أما القول بأن نجل الضابط تأثر بما حكاه «أدهم» عن انحرافات أبيه، وعاش لحظة تنوير انتهت بمقاطعته لأبيه، فهي مبالغة كارثية نربأ بالمؤلف أن يتورط فيها، كما تورط في دفع «رحيم» إلى اغتصاب «مي» بعد زواجها من «طه»، رغم انتفاء الدافع، وسذاجة القول إنه تعاطى بعض الحبوب المخدرة! «من ضهر راجل» فيلم مصنوع بحرفية، على صعيد الصورة (أحمد بشاري) والديكور (عادل المغربي) والتمثيل (الإشادة واجبة بأداء وليد فواز وصبري فواز إلى جانب محمود حميدة ومحمد لطفي وياسمين رئيس ثم آسر ياسين) لكن لم يحالف التوفيق مونيا فتح الباب في اختيار ملابس آسر ياسين، الذي بدا وكأنه قادم للتو من باريس أو في طريقه إلى نادي الجزيرة، وتسببت لحية محمود حميدة في التشويش على مصداقية الشخصية. أما المونتاج (عمرو عاصم) فإليه يرجع السبب، مع المخرج، في ترهل الإيقاع، وعدم القطع بصرامة على المشاهد والمواقف الزائدة، وهو ما أدى إلى تشويه طريقة السرد الأخاذة، التي مزج فيها المؤلف محمد أمين راضي بين الماضي والحاضر، واجتهد للوصول إلى «تكنيك» رائع يستحق الثناء. وهو ما فعله المخرج كريم السبكي في مشهد التنويه إلى ماضي الأب (الكادر يتسع بحيث يظهر الحاضر على الجانبين بينما الماضي بمسحة لونية مختلفة يتحرك على شاشة خلفية في الوسط). لكن أعيب على «راضي» كم العنف وسفك الدماء وإزهاق الأرواح الذي امتلأت به الشاشة بشكل طغى على أهمية وحيوية القضايا التي تبناها كالتحذير من عاقبة القهر، وسوء استخدام السلطة، واستسلامه للرقابة عندما وضع لوحة تؤكد القبض على المنحرفين ومطاردة الفاسدين وأن «القانون أخذ مجراه»!