سلطة القارئ

نشر في 21-02-2016
آخر تحديث 21-02-2016 | 00:00
 ناصر الظفيري ما الدور الذي يستحقه القارئ الذي يعيش النص ويتعايش معه؟ غالباً ما يكون هو الوحيد البعيد عن الضوء، والذي يعيش في ظل النص رغم أن النص كان من أجله. نعلم أن القراء يتباينون في قراءاتهم بحكم الثقافة والمعرفة وسعة الاطلاع، إلا أن هناك قارئاً نوعياً يستحق أن يكون له دور حقيقي في الحركة الثقافية.

في تعليق للكاتبة ليلى البلوشي طالبت فيه أن يفسح المجال للقارئ، وهي تقصد القارئ النوعي، بأن يكون مساهماً في لجان تحكيم الجوائز الأدبية، وهو مطلب يستحق المناقشة. ما يقدمه القارئ المتمرس هو الانطباع الحقيقي الذي تمثله نظرية "الاستقبال" كما يوضحها الناقد ستانلي فيش. والقارئ ومن خلال قراءة نص ما يسترجع خبرات قرائية سابقة لأعمال جعلت بإمكانه التمييز بين نص وآخر، واستطاع بذائقته المجردة من المدرسية الموجهة أن يعيش في النص وخارجه، بعيداً عن سطوة النقد الذي يرى القالب النقدي أولاً والنص ثانيا. وربما يعيدنا إلى جدل سابق حول وجود سائق تاكسي وموظفة مكتبة في جائزة البوكر- مان البريطانية.

في وجود وسائل التواصل اليوم بين القراء أنفسهم وبين الكاتب والقارئ أصبحت ردة فعل القارئ تشبه إلى حد كبير ردة الجمهور المسرحي على نص يقدم على الخشبة. أصبح اليوم بإمكان الكاتب أن يرى من هم قراء نصه ومدى تفاعلهم وردة فعلهم على النص. وربما يهتم ببعض القراء كما يهتم بردود فعل زملائه الكتاب والنقاد. وهو يعلم أن القراء الذين يتناولون عمله وأعمال زملائه يخرجون بانطباع تفرضه الفكرة أحياناً، والموضوع الذي يطرحه ويتفهم في أحيان كثيرة غضب قارئ ما منه أو تعاطف آخر.

كثير من القراء على قنوات التواصل يقدمون خدمة كبيرة للكاتب والقارئ لم تكن تتحقق في الماضي. القارئ المتابع جيداً لحركة النشر يساهم غالباً في تقديم نصوص عربية لم يكن ليصل إليها سوى القلة. فلم يكن القارئ الخليجي مثلاً يعرف كتاب المغرب العربي، ولم تصل الأعمال الخليجية إلى القارئ المصري واللبناني. هذا التبادل المعرفي أصبح سهلاً الآن، وبإمكان النص أن ينتقل بسهولة من قارئ إلى آخر.

اعتدنا أن نكتب عن أسماء النقاد الذين يقدمون إسهامات في عرض الكتب، ولكننا لم نكتب عن قراء ساهموا بذات الدرجة في نشر أعمال أدبية تستحق المتابعة. سأضرب مثلاً بقارئة بحرينية هي السيدة رائدة شريف، التي تستحق جائزة القارئة الأكثر نشاطاً ومتابعة للأعمال الأدبية في العالم العربي. وتستحق أن تكون أحد محكمي الجوائز الأدبية، التي تحتل قاعدة تحكيمها غالباً أسماء بعضها لا يقرأ في الرواية أساساً. رائدة شريف توجد في الغالب في المعارض الأدبية، وتتابع كماً كبيراً من النتاج الأدبي، وتنشر مقتطفات مهمة من هذه الأعمال.

هذه الخبرة القرائية تشكل ذائقة القارئ وتصقل قدرته النقدية، وما يميز القارئ المتفرغ هو انتفاء الضغط المؤسسي الذي يعانيه الناقد أو الأكاديمي، الذي ينتقي غالباً ما يناسب منهجه الذي يعمل عليه. والمستغرب هو غياب الروائي عن لجان التحكيم. وهو إقصاء لا أجد له ما يبرره، وهو أعلم بحرفة الرواية من سواه.

back to top