مع وصول سعر برميل النفط إلى 30 دولاراً سوف تواجه صناعة النفط مرحلة أشد قسوة في تعزيز الإنتاج من خلال حفر آبار جديدة، وسوف يواجه المنتجون أيضاً مزيداً من الضغوط من مصادر تمويلهم من أجل تقليص اقتراضهم.

Ad

منذ بداية هذه السنة أدهش هبوط أسعار النفط الخبراء في هذه الصناعة وقد تراجع سعر خام غرب تكساس الوسيط في 12 يناير الجاري الى أقل من 30 دولاراً للبرميل وهو أدنى سعر له منذ سنة 2003، وفي اليوم التالي تغيرت الصورة نتيجة أنباء عن وصول مخزونات الخام والمنتجات البترولية في الولايات المتحدة الى 1.3 مليار برميل، وهو رقم قياسي جديد، وقد تأثرت الشركات بذلك وأعلنت شركة "بي بي" الأسبوع الماضي عن خفض عدد الوظائف بصورة كبيرة، كما أن شركة بتروبراس البرازيلية المملوكة للدولة قلصت حجم استثمارات كانت خططت لها في وقت سابق.

البعض ينسب هذا التراجع المتزايد الى عوامل اخرى غير العرض والطلب، وعلى سبيل المثال قال بنك ستاندرد تشاردرد إن سعر النفط يجب أن ينخفض الى 10 دولارات للبرميل وذلك قبل أن يعترف المضاربون بأن "الأمور مضت بعيداً جداً"، ولكن حقيقة الأمر أن ذلك كله يظل في نطاق التخمين في أغلب الأحيان، وينسحب ذلك على مستوى عدم اليقين حيث إن عقود المشتقات النفطية في الولايات المتحدة والمرتبطة بتسليم شهر ابريل المقبل تتحدث عن سعر يتراوح بين 25 و 56 دولاراً للبرميل.

ويتحدث نيل أتكنسون من وكالة الطاقة الدولية عن الكثير من العوامل التي تدفع الى الترقب في ما يتعلق بسوق النفط، وخاصة الجوانب المتعلقة بالاستهلاك، وهو أحد العوامل القليلة التي ساعدت على دعم الأسعار في السنة الماضية، وقد تزامن الهبوط في سعر النفط خلال الأسبوعين الماضيين مع هبوط في أسواق الأسهم الصينية واليوان وهو تطور يقول بعض المستثمرين انه يعكس درجة الضعف في الاقتصاد الصيني، وبالتالي في الطلب على النفط.

وعلى الرغم من أن أتكنسون يقر بذلك الاحتمال فهو يظن ان الأرقام التي أعلنت في 13 الجاري أظهرت أن الصين استوردت كمية قياسية بلغت 6.7 ملايين برميل في اليوم خلال العام الماضي.

وعلى الرغم من ذلك فإن المشكلة – بعيداً عن الهند والصين – تكمن في أن الطلب لا يبدو واعداً في هذه السنة، وعلى سبيل المثال فإن أوروبا قد لا تشهد تكراراً للطلب القوي على النفط بصورة نسبية، كما كان الحال في عام 2015، وعلى الرغم من استمرار نمو الاقتصاد الأميركي فإن تشديد اجراءات الاقتصاد في الوقود تقلص من الجانب الاستهلاكي.

ومن المرجح أن يقلص السائقون في الشرق الأوسط، حيث شهد استخدام الوقود ارتفاعاً في السنة الماضية، استخدام سياراتهم بعد أن رفعت الحكومات في تلك المنطقة أسعار الوقود وألغت الدعم عن المواد البترولية من أجل تعزيز الأموال العامة، ويقول أتكنسون: " توجد شكوك كبيرة تتعلق حول نمو الطلب العالمي على النفط في الوقت الراهن".

الصورة القاتمة

وما يضفي المزيد من البشاعة الى الصورة أن الدول المنتجة لم تتوقف عن الانتاج بالسرعة التي كانت بعض الأوساط تتوقعها، وقد تجلى ذلك في الاجتماع الأخير الذي عقدته منظمة اوبك مطلع ديسمبر الماضي، وقررت فيه التخلي عن نظام الحصص في الانتاج. كما أن المملكة العربية السعودية التي كانت تقلص الانتاج في الماضي من أجل رفع الأسعار ترفض اليوم القيام بهذا الدور، وهي مصممة على طرد المنتجين من ذوي التكلفة العالية من ميدان النشاط الاقتصادي.

توقعات التحسن

ويقول المسؤولون السعوديون انهم يتوقعون تعافي اسعار النفط في وقت لاحق من هذا العام أو في سنة 2017 مع بداية تناقص الانتاج عن مستويات الطلب العالمي، ويقلص الهبوط الطبيعي نتيجة نضوب حقول النفط الانتاج بنسبة 5 في المئة سنوياً على الأقل، حسب رأيهم، وحتى قبل الأخذ بالحسبان تأثيرات الخفض في انتاج شركات النفط الجديدة العاملة في ميدان الحفر.

ولكن الكثير من الشك يرافق الكمية التي يمكن أن تصدرها ايران بعد رفع العقوبات الاقتصادية عنها، والأكثر من ذلك كما يقول أتكنسون أن الانتاج استمر في الارتفاع في السنة الماضية من آبار خليج المكسيك ورمال القار في كندا، وذلك لأن التكلفة هناك تظل أدنى مهما انخفضت أسعار النفط. ويقول أتكنسون إن " القاعدة في هذه الصناعة أن تستمر في الانتاج لأطول فترة ممكنة ومن يتوقف أولاً يعط فرصة ثمينة للمنافسين".

وعلى سبيل المثال، فقد بدأ انتاج النفط في الولايات المتحدة بالهبوط وذلك نتيجة الخفض في الكميات ومتاعب منتجي الزيت الصخري، ومع وصول سعر برميل النفط إلى 30 دولاراً سوف تواجه صناعة النفط مرحلة أشد قسوة في تعزيز الانتاج من خلال حفر آبار جديدة وسوف يواجه المنتجون أيضاً مزيداً من الضغوط من مصادر تمويلهم من أجل تقليص اقتراضهم. وبحسب توقعات شركة أليكس بارتنرز الاستشارية التي تقدم المشورة الى الشركات المتعثرة فإن المزيد من شركات الانتاج سوف تضطر الى اعلان افلاسها في هذه السنة. كما أن توقعات هذه الشركة تتحدث عن فجوة تمويل تصل الى 102 مليار دولار في هذا العام بين توقعات التدفق النقدي من جانب شركات النفط في الولايات المتحدة وبين مدفوعاتها من الفائدة وانفاق رأس المال مرتفعة عن 83 مليار دولار في العام الماضي. وقالت الشركة المذكورة إن ذلك الهبوط سوف يمثل واحداً من الأشد حدة والأطول مدة على الاطلاق.

خفض مستويات التخمة

ولكن مهما بلغ حجم الخفض فإنه لن يكون كافياً من أجل لتحقيق خفض في مستويات التخمة الحالية، اضافة الى أن مخزونات النفط العالمية وصلت الى ارتفاعات قياسية، كما تقول وكالة الطاقة الدولية. وتتوقع ادارة معلومات الطاقة الأميركية ان ترتفع تلك المخزونات بكمية اضافية تبلغ 700000 برميل في اليوم قبل أن يبدأ التوازن بين العرض والطلب في سنة 2017.

وتقول ادارة معلومات الطاقة إن التخزين في كاشنغ في ولاية اوكلاهوما التي تستطيع تخزين 73 مليون برميل من النفط قد وصل الى مستويات قياسية بلغ 64 مليون برميل، وبحسب برايان بتش من جنسغاب التي تقوم بجمع معلومات عن صناعة النفط فإن الوضع ذاته ينسحب على الصين حيث تظهر السفن التي تحمل النفط وهي راسية في الميناء بسبب امتلاء الخزانات، مضيفاً أن مستويات التخزين العالية قد تحتاج الى سنة قبل أن ينتهي التراجع.