السجل الأسود للنظام الإيراني
سلسلة التدخلات التخريبية لدولة ونظام ولاية الفقيه في المنطقة العربية عامة، وفي دول مجلس التعاون خاصة، بدءاً من تفجيرات الخبر في عام 1996، مروراً بالرياض في عام 2003 وإلى يومنا هذا يجب أن تكشف وتعلن باستمرار، لعل المخدوعين بهذا النظام يفيقون ويرتدعون، والحقيقة أن دولة ولاية الفقيه، لها سجل تاريخي حافل بنشر الاضطرابات في كل دول المنطقة العربية، منذ قيامها عام 1979 عبر ما سمي بتصدير الثورة بموجب الدستور الذي وضعته الثورة الإسلامية، والذي نص على إلزام دولة ولاية الفقيه بتصدير الثورة إلى كل الدول العربية كواجب ورسالة إلهية مقدسة، وقد أحسنت المملكة العربية السعودية بنشر السجل الأسود للتدخلات الإيرانية في المنطقة وخارجها بدءاً بتأسيس حزب الله في لبنان والميليشيات التابعة مروراً بتفجيرات واعتداءات طالت السفارات الأميركية والفرنسية والدبلوماسيين ومقار قوات أجنبية في بيروت ثم الكويت، وتفجير أبراج سكنية في الخبر والرياض ومطاعم في برلين واختطاف طائرات... إلخ.من يطلع على هذا السجل الأسود الموثق، لا يشك لحظة أن دولة ولاية الفقيه، الدولة الأولى الراعية والداعمة للإرهاب في العالم، والأولى في تجنيد الميليشيات المخربة، والأولى في انتهاك سيادة الدول، والأولى في اغتيال المعارضين.
كل الذين يراهنون على تأهيل هذا النظام وعودته إلى الأسرة الدولية، كدولة طبيعية تحترم سيادة الدول الأخرى، وتراعي حسن الجوار والمبادئ الأخلاقية، وتلتزم بالمواثيق والأعراف والمعاهدات الدولية، واهمون، فالدول الغربية وأميركا التي راهنت على الإصلاحيين في إيران، بهدف التغيير المنشود عبر رفع العقوبات وإنهاء حالة الحصار أملاً في تقوية القوى الإصلاحية، تتجاهل تماماً طبيعة هذا النظام الذي يوجب، وجوباً دينياً وعقائدياً، على الدولة "نصرة الشعوب المستضعفة والمغلوبة على أمرها"، وهو نص مقدس في نظر قادة هذا النظام لا يمكن التخلي عنه مهما كانت ظروف الدولة المالية والاقتصادية، ومهما كانت الاتفاقيات والمواثيق، لا يعيش هذا النظام بغير التدخلات وإلا سقطت شرعيته الدينية والمذهبية. مما يؤكد عدم قابلية النظام للتغيير أو التأهيل أو التطبيع أن شهيته للتسلح الصاروخي زادت بعد رفع العقوبات، وتدخلاته في المنطقة أصبحت أكثر ضراوة بعد ابتسامات ظريف واستبشارات روحاني! فالإصلاحيون صادقون في توجهاتهم وآمالهم في الانفتاح على العالم، لكنهم لا يستطيعون تجاوز الخطوط الحمراء التي يرسمها المرشد، فكل صغيرة وكبيرة في هذا النظام مرجعها الأول والأخير فرد واحد، يملك الأمر والنهي المطلق، وإرادته تعلو كل الإرادات والمؤسسات، بل تعلو إرادة الأمة الإيرانية بأجمعها! عودة إيران إلى الأسرة الدولية تعني لدى الإصلاحيين "التفاعل مع العالم لتحقيق مصالحنا" طبقاً للرئيس روحاني، لكنها لدى سدنة النظام تعني "التفويض المطلق" بالتدخل في شؤون الدول الأخرى، طبقاً لجورج سمعان.كما تعني: إطلاق العنان للمتشددين لتعزيز طموحاتهم في مزيد من القمع بالداخل ومزيد من الهيمنة في الخارج، كل الدلائل والإرهاصات الأولية للاتفاق، تؤكد أن سياسة المراهنة على تغيير ميزان القوى في الداخل الإيراني، لمصلحة روحاني وفريقه من البراغماتيين المؤيدين للتقارب والتفاعل والانفتاح، هي سياسة لا تدرك طبيعة هذا النظام.الغربيون الواهمون يأملون أن يساعد الاتفاق في تصدر الموالين لروحاني الانتخابات البرلمانية المقبلة الشهر القادم، لكني أرى أنها آمال أشبه بالسراب إلا أن يشاء المهيمن على مفاصل النظام (المرشد)! لماذا هذه الأوهام؟! لأن الفلسفة الغربية تتجاهل العامل الديني في الصراعات الدولية غالبا، وتحاول تغييب دور المعتقد الديني والمذهبي وأهميته في نظام ولاية الفقيه، بالتركيز على العاملين: الاقتصادي والاجتماعي في تغيير الأنظمة والمجتمعات، وهذا ما أوقع الغربيين في أوهام السراب الخادع لهذا النظام!ختاماً: بعد رفع العقوبات وإطلاق يد النظام في المنطقة، على الخليجيين والعرب أن يتوقعوا تصعيداً إيرانياً متزايداً، وتدخلاً ضارياً أعظم في العمق العربي، مما يتطلب من الجميع المزيد من التقارب والتنسيق والمواجهة الحازمة: إعلامياً وأمنياً وسياسياً واقتصادياً ودبلوماسياً. وتبقى الإشادة واجبة للدبلوماسية السعودية التي نجحت في كشف السجل الأسود للتدخلات الإيرانية وتوثيقها وفي التصدي لزيف مقولاتها وأكاذيبها.* كاتب قطري