وداع... وإنقاذ
من الصعب عليَّ شخصياً، كإنسان عايش وساهم وكرَّس جزءاً من حياته، كتابة رسالة وداع لـ"الطليعة"، ومن تصور انتهاء عمرها، بعد أن بلغت 53 عاماً، نتيجة دوافع الجشع وحب المال وعدم احترام الإرث الوطني، وقبل كل شيء النبل الأخلاقي الذي تركه الأخ والصديق سامي أحمد المنيس، الذي أضاف لمقام عائلة المنيس وتاريخ عمه الشهيد أحمد المنيس، ما يعزز رصيد الأسرة في تاريخ الكويت."الطليعة" لم يصدرها أفراد، إنما مجموعة من الشخصيات الوطنية، ومنهم نواب التيار الوطني في مجلس الأمة الأول، وتيار النادي الثقافي القومي، وحركة القوميين العرب.
لم تكن ملكية لأفراد ولا لمجاميع، وعندما تأسست "شركة الطليعة للطباعة والنشر"، كمالك لترخيص "الطليعة"، تشكل مجلس إدارة، وكان بمنزلة أوصياء لا مُلاك، ولا يتقاضون منافع ولا يورثون."الطليعة" التي صدرت عام 1963 كانت حلقة في سلسلة الصحف والمجلات الكويتية التي صدرت قبلها مثل "الايمان" و"صدى الإيمان" إصدار النادي الثقافي، و"الفجر" إصدار جمعية الخريجين، و"الرائد" إصدار نادي المعلمين، وكذلك الصحف التي صدرت مرافقة لها في مرحلة الستينيات، ومنها "الهدف" برئاسة الأخ والصديق محمد مساعد الصالح، وجريدة "الخليج" لمالكها ورئيس تحريرها عبدالعزيز فهد الفليج.الأخ سامي المنيس تسلم رئاسة التحرير عام 1964 من الأستاذ سليمان الحداد، الذي تولى رئاسة تحريرها من عبدالرزاق خالد الزيد، الذي صدر الترخيص باسمه.أجد صعوبة في تسجيل ما يمكن اعتباره مدحاً أو ثناءً لدور "الطليعة"، فذلك نوع من تزكية الذات، لذلك فإنني أقتبس مقاطع من مقالة الأخ أحمد الديين، التي تعد رصداً وافياً للدور الذي أدته "الطليعة".يذكر الأخ أحمد في مقالته: "إن إيقاف "الطليعة" بعد ثلاثة وخمسين عاماً يحمل دلالات كثيرة تتجاوز حدود إيقاف صحيفة أسبوعية عن الصدور، فـ"الطليعة" لم تكن مجرد صحيفة أسبوعية، إنما هي جزء من تاريخ الكويت السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي والإعلامي. إن "الطليعة" لم تكن شاهداً على هذا التاريخ يوثق أحداثه، بل كانت في حقيقة الأمر صانعة لجزء من تاريخ الكويت وعنصراً مؤثراً في تطوره.كانت "الطليعة" لسان حال الحركة الوطنية والديمقراطية الكويتية، وعلى نحو أدق، كانت أحد أهم مراكز تجمعات هذه الحركة الوطنية خصوصاً في عقدي الستينيات والسبعينيات، شأنها شأن نادي الاستقلال.لقد كان لـ"الطليعة" دورها المشهود في قضية رفض اتفاقية العوائد النفطية مع الشركات الأجنبية، ونجحت في تعبئة الرأي العام ضدها، عبر حملتها الإعلامية الشهيرة التي عنونتها بجزء من بيت الشعر العربي "يا أمة ضحكت"، كذلك مساهمتها البارزة في رفض اتفاقية المشاركة النفطية في النصف الأول من سبعينيات القرن العشرين، وصولاً إلى تأميم شركات النفط الأجنبية والسيطرة على القطاع النفطي، وهو الإنجاز الكبير الذي تحقق عام 1975. وقادت "الطليعة" معركة الدفاع عن الديمقراطية، بدءاً من تصديها لترسانة القوانين المقيدة للحريات التي فرضتها السلطة بالتعاون مع الغالبية النيابية الموالية لها في مجلس الأمة الأول، وأدت إلى استقالة نواب المعارضة الشعبية الثمانية، مروراً بالتصدي لتزوير الانتخابات عام 1967، حيث كان لـ"الطليعة" دور كبير دفعت ثمنه غالياً، بتعطيلها إدارياً أكثر من مرة عبر سلاح المادة 35 مكرراً من قانون المطبوعات والنشر. وبعد ذلك برزت برفضها الانقلاب على الدستور عام 1986، ومحاولتها التعبير عن ذلك الموقف بهذا الشكل أو ذاك، على الرغم من الرقابة الحكومية على الصحف.وكانت "الطليعة" اللسان المعبِّر عن هموم الطبقة العاملة والفئات الشعبية والداعم الأول للحركة النقابية العمالية الكويتية عند انطلاقها في أوائل ستينيات القرن الماضي، كما كان لها دور في إبراز الحركة الطلابية الكويتية، ممثلة بالاتحاد الوطني لطلبة الكويت والاتحاد المحلي لطلبة الكويت في المرحلة الثانوية، اللذين أنشأهما طلبة الحركة الوطنية الكويتية.وحملت "الطليعة" لواء القضية القومية، سواء في قضية فلسطين ومقاومة الاحتلال الصهيوني، أو قضية الوحدة العربية، ودعمت حركات التحرر الثورية في جنوبي اليمن وظفار، وكذلك في أرتيريا.لقد كانت "الطليعة" صوت الشعب الكويتي، وصوت التقدم والديمقراطية، وبالتأكيد فإن توقفها عن الصدور سيترك فراغاً كبيراً يتجاوز حدود غيابها كصحيفة".أكتفي بهذا الاقتباس المطول، مع الاعتذار، والمقال نُشر في "الطليعة" بتاريخ 9/ 12/ 2015.والآن ماذا بعد؟ وهل هناك أمل في إنقاذ "الطليعة"؟هناك خطورة، إذا وصلت الأمور إلى بيعها كمؤسسة، إذ إن ذلك يؤدي إلى إلغاء ترخيص الإصدار، ولا يمكن إصدار ترخيص باسم "الطليعة"، كما أن إصدار ترخيص جريدة سيواجه عوائق مالية وإدارية وسياسية.هناك الآن محاولة لمناشدة أصدقاء "الطليعة" والمتعاطفين معها، للمساهمة في إمكانية تدبير مبلغ يدفع لأحمد المنيس مقابل نصيب ورثة سامي المنيس، البالغ خُمس أو عشرين في المئة من قيمة بيع أصولها، وأهمها حق الانتفاع بالأرض المخصصة لها والمبنى وتقسيمها على الشركاء، وبالتأكيد فإن الشركاء الآخرين لا يعتبرون أنفسهم ملاكاً ولا يحصلون على منفعة مادية ولا يورثون.وهناك اقتراحات من إخوة بتوسيع الحملة، لتشمل القطاع الواسع من المتعاطفين مع "الطليعة"، حتى لو كانت مشاركات رمزية، وأستطيع القول إن الأمل كبير، وإن الاستجابة حتى الآن تبشر بالخير، وإن تضافر جهود الأصدقاء والمتعاطفين مع "الطليعة" والحريصين على استمرارها ستكلل بالنجاح.في ختام المقال، أود الإشارة إلى الأخ أحمد النفيسي في مقاله المنشور في العدد الأخير من "الطليعة"، إشارة إلى أنه يعتذر ممن فاته ذكر مساهمتهم فيها "الطليعة" وما زالوا مواظبين على ذلك، وأذكر منهم الأخت سعاد المعجل والأخت فوزية أبل ومجموعة من الشباب، منهم حبيب السنافي وناصر العطار وأحمد الجاسم ويوسف شمساه وأسامة عبدالرحيم وعبدالعزيز الجناحي، وسكرتيرة التحرير ميسون أحمد، وما زال أملنا كبيراً بأن "الطليعة" ستبقى.