بناء الجسور على الخليج العربي

نشر في 04-02-2016
آخر تحديث 04-02-2016 | 00:00
إقامة علاقات ودية بين إيران والسعودية يبدو احتمالا بعيدا، على الأقل في المستقبل المنظور، ولكن يمكن اتخاذ خطوات من شأنها منع مزيد من التوتر، وكانت إدانة خامنئي للهجوم على السفارة السعودية، التي وصفها بأنها ضارة للوطن والإسلام، جديرة بالذكر في هذا السياق.
 بروجيكت سنديكيت ارتفعت حدة التوتر بين إيران والمملكة العربية السعودية في وقت سابق من هذا الشهر، بسبب اقتحام المتظاهرين للسفارة السعودية في طهران بعد إعدام رجل دين شيعي في المملكة، هذه ليست سوى أحد أحدث مظاهر التنافس العميق بين القوتين في الشرق الأوسط، وإذا كانت عداوتهما المتبادلة منذ فترة طويلة بعيدة عن التقادم، كما صورت في بعض الأحيان، فإن العودة إلى التعاون ليست مستحيلة رغم التحديات، نظرا لمصالحهما المشتركة.

على الرغم من أن الانقسام الطائفي في هذين البلدين أساسي في تأسيس هويتهما الوطنية، المملكة العربية السعودية هي القوة السنية الرائدة في العالم العربي، في حين أن إيران هي الأغلبية الشيعية، لم يكن دائما عنصرا من عناصر المواجهة في المنطقة، لكن في عام 1501 أنشأت السلالة الصفوية المذهب الشيعي كدين رسمي لبلاد الفرس، تمييزا عن جاره العثماني السني، الذي كان يحتل جزءا من أراضيه، وخلال القرنين اللاحقين، واجه بلاد الفرس الإمبراطورية العثمانية، قلب الخلافة السنية، من أجل التفوق الإقليمي.

في عام 1932، أُسست المملكة العربية السعودية معتمدة مدرسة الإسلام السني كعقيدة رسمية، ومع ذلك أنشأت السعودية وإيران علاقات دبلوماسية، وتعمق الأمن والتعاون السياسي بينهما في الستينيات وأوائل السبعينيات، وذلك بسبب مصلحتيهما المشتركة في مواجهة الحركات المتطرفة التي كانت تهدد نظامهما الملكي، كما أنهما عملتا على الحد من تقدم النمط السوفياتي الشيوعي في العالم العربي، وبرزتا كحليفين رئيسين للغرب خلال الحرب الباردة، وخصوصا الولايات المتحدة.

في أواخر السبعينيات، اندلعت معركة طائفية حيث أخذت المملكة العربية السعودية، وبدعم من المكاسب المالية الناجمة عن ارتفاع أسعار النفط، توسع جهودها الأمنية، وأحست بتهديد مباشر بعد عام 1979، عندما أطاحت الثورة الإسلامية في إيران بالشاه وأعلن النظام الجديد نفسه زعيم الشيعة في جميع أنحاء العالم، ومقابل الدعوة من أجل تحرير كل الشيعة في إيران، ضاعفت المملكة العربية السعودية جهودها، مما أدى إلى تكثيف الصراع بين القوتين.

رغم أنه لم تندلع أي مواجهة مباشرة بين الجانبين، لم يكن هناك أي نقص في معارك بالوكالة، بدءا من الحرب العراقية الإيرانية في 1980. وفي الآونة الأخيرة، أثناء الحرب الأهلية في سورية، حيث تدعم إيران الرئيس السوري بشار الأسد، الذي يمثل الطائفة العلوية من الإسلام الشيعي، في حين أن السعودية تدعم القوى السنية المناهضة للأسد. وفي اليمن قام طيران التحالف بقيادة السعودية بسلسلة ﻣﻦ ﺍﻟﻐﺎﺭاﺕ ﺍﻟﺠﻮية المكثفة استهدفت الحوثيين الزيديين الشيعة المتمردين والمدعومين من إيران والذين يقاتلون الحكومة التي يقودها السنّة، حيث أسفر الصراع عن مقتل ما لا يقل عن 6000 شخصا.

ولكن، كما في الماضي، المواجهة بين القوتين لها صلة بالتطورات المحلية، إذ تشهد كل من إيران والمملكة العربية السعودية حاليا تحولات سياسية واقتصادية مهمة يمكن أن تترك نظاميهما عرضة للخطر.

إيران تستعد لانتخاب برلمان جديد ومجلس الخبراء (الذي سيختار المرشد الأعلى للبلاد) في فبراير، وهي في حالة يرثى لها من الناحية الاقتصادية، فقد بلغ معدل البطالة 11.4٪ في عام 2014، وهو أعلى بكثير بين الشباب، وقد أدى الاتفاق الدولي بشأن برنامج إيران النووي الآن إلى رفع العقوبات، إلا أن فوائده الاقتصادية لا تزال غير بارزة على نطاق واسع.

بالطبع إذا ما استمرت جهود الرئيس حسن روحاني لفتح إيران على العالم الخارجي، تلك الفوائد ستبرز على نطاق واسع في نهاية المطاف، وستزيد من نمو الطبقة الوسطى، ولكن لهذا السبب بالذات، العناصر الأكثر محافظة داخل الحكومة الإيرانية تشكك بشدة في برنامج روحاني الإصلاحي، لأنه سيساعد على ظهور محتمل لمجتمع أكثر دنيوية، مجتمع تعددي يمكن أن يشكل تهديدا خطيرا لبقاء النظام.

وعلى الرغم من أن المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي صادق على الاتفاق النووي العام الماضي، فقد أعلن مرارا وتكرارا أنه لا يزال غير واثق بالولايات المتحدة، وبالإضافة إلى ذلك فإن مجلس صيانة الدستور الذي يسيطر عليه المحافظون، الذي يضم ستة علماء دين يعينهم المرشد الأعلى وستة قضاة يرشحهم القضاء ويوافق عليهم البرلمان، رفض 99٪ من المرشحين الإصلاحيين للانتخابات المقبلة، وهكذا من المتوقع أن يتم تكثيف المعارضة البرلمانية لإصلاحات روحاني.

وتشهد المملكة العربية السعودية أيضا نقطة تحول، ففي العام الماضي، بعد وفاة الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، الذي حكم عشر سنوات، صعد أخوه غير الشقيق، سلمان بن عبدالعزيز آل سعود إلى العرش، ومنذ ذلك الحين فوض سلمان المسؤولية الحكومية لولي العهد الأمير محمد بن نايف ونائب ولي العهد الأمير محمد بن سلمان آل سعود، وتقع هذه التغييرات على رأس هرم الدولة في سياق التدهور الاقتصادي الحاد الناجم عن انهيار أسعار النفط العالمية، وقد استنفدت إيرادات الميزانية إلى نقطة وصل فيها العجز المالي إلى 15٪ من الناتج المحلي الإجمالي العام الماضي.

في هذا السياق غير المستقر، يبدو أن القادة في كل من إيران والسعودية يعتقدون أن استمرار المواجهة سيساعد على الحفاظ عليهم في السلطة، معززين الفكرة القائلة إن المزيد من التغيير، خصوصا في شكل زيادة الانفتاح الاقتصادي أو السياسي، سيكون خطيرا.

ومن ثم فإن ربط علاقات ودية بين القوتين يبدو احتمالا بعيدا، على الأقل في المستقبل المنظور، ولكن يمكن اتخاذ خطوات من شأنها منع مزيد من التوتر، وكانت إدانة خامنئي للهجوم على السفارة السعودية، التي وصفها بأنها ضارة للوطن والإسلام، جديرة بالذكر في هذا السياق.

رغم هذه الخطوات فمن غير المرجح أن تتوصل إيران والسعودية إلى اتفاق بشأن سورية في الجولة القادمة من المحادثات الدولية، ولكن التقدم نحو إنهاء الحرب في اليمن، التي لا تزال في مرحلة مبكرة بالمقارنة مع الحرب السورية، والتي لا تنطوي على مصالح دولية وإقليمية كبرى، يبقى ممكنا، لاسيما على ضوء المتاعب الاقتصادية للسعودية، فالمفتاح سيكون الاتفاق على وقف إطلاق النار، تمهيدا لحل طويل الأمد للنزاع.

وبينما تظل الهوة بين إيران والسعودية عميقة، يمكن للتعاون العملي في مسائل محددة مثل اليمن أن يساعد على بناء الجسور، فهذا من شأنه أن يعود بالفائدة على المنطقة بأكملها.

* خافيير سولانا | Javier Solana ، الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للسياسة الخارجية والأمن سابقا، الأمين العام لمنظمة حلف شمال الأطلسي ووزير خارجية إسبانيا سابقا، وهو حاليا رئيس مركز إيساد للاقتصاد العالمي والجغرافيا السياسية وباحث متميز في معهد بروكينغز.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top