ليس من الإنصاف تكفير الإنسان لمجرد اختلافه معك بالعقيدة، لتفرض عليه قراءة صفحات التاريخ، وإن رفض برر تخوينه وإخراجه من فضاء الوطن، حيث نال هذا الفكر من غالبية الأقليات مواطني الوطن العربي نتيجة لمصالح خارجية وداخلية صنعت الكراهية والإقصاء، رغم خطورته على المجتمع وما يترتب عليه من تفكك لمكوناته، وما يترتب عليه من فقدان الشعور بالأمان وضياع  للهوية الوطنية، ومع ذلك مازال هناك من يعزز ويدفع بهذا النهج.

Ad

عند العالم المتحضر قد نجد بعض أشكال التعصب، لكن المجتمع والقانون تكفلا في ردعه وضمنا للإنسان حرية التعبير وحرية العقيدة، فلا سلطان عليه في ممارسة عبادته، في حين أن الأمة التي جعلها "خير أمة أخرجت للناس" تتقاتل ويكفر بعضها بعضا، والوضع مستمر ما لم تغير الأمة من تفكيرها وتصرفها، وإنها لن تجني أفضل من حال سورية وليبيا والعراق واليمن فالمنطقة كلها قابلة للانفجار.

التقسيمات المذهبية حضرت على مر التاريخ، حيث تتفاوت في حدتها لمصالح رسمها المكان والزمان، وفي كل مرة يضيع فيها العقل والحكمة ويأتي الدمار، فيا ليت أمتي تعلمت من تاريخها المليء بالمآسي والمثقل بالأحداث الدموية، ويا ليتها تعلمت من النصارى واليهود كيف احتووا خلافهم العقائدي، وهم ليسوا خيراً منا إن التزمنا بقانون الحرية المحمدي وما فيه من قيم وأخلاق.

من المسلمات أن يكون لكل إنسان رأيه في القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية حتى الدينية، لكن من المؤلم أن نرى الاصطفاف الطائفي المبني على الإقصاء والتكفير وإباحة الدماء، ومن هنا علينا أن نتعلم كيف نحترم الرأي والرأي الآخر حتى لو كان بخلاف ما نعتقد كي نحمي أوطاننا من شر الفتن.

السنوات الماضية كانت عجافاً على المواطن العربي الذي فقد هويته حتى بالدول التي لم يطلها الربيع، حيث ظهرت لنا تسميات وتقسيمات جديدة أخذت طابع التعصب، والنتيجة خسارة الهوية الوطنية، ومن هنا تأتي أهمية إعادة ترميم مفهوم المواطنة التي تقع مسؤوليتها بالدرجة الأولى على المؤسسات الرسمية من خلال نبذ كل أشكال التطرف بالتعامل مع المواطنين كأسنان المشط دون النظر إلى انتمائهم المذهبي أو القبلي وعدم التشكيك في ولائهم.

اليوم نحن أمام قانون جرائم تقنية المعلومات، وقد يؤخذ عليه وضع الكثير من القيود على الحريات، لكن كل ما أتمناه أن يجد طريقة لوقف لغة الكراهية المنتشرة في وسائل التواصل الاجتماعي، وألا يكون سببا في المزيد من القمع وطريقا للقضاء على الحرية المسؤولة.

ودمتم سالمين.