يُحْسب للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ولا يحسب عليه أن ينظر إلى زمن الاتحاد السوفياتي بعين التقدير والاحترام، وأن يعتبر هذا الزمن الذي امتد أكثر من 70 عاماً جزءاً أساسياً من تاريخ الشعب الروسي والشعوب الأخرى التي بادرت بعد انهيار المرحلة السوفياتية إلى تشكيل وإقامة دولها الوطنية والقومية الخاصة بها، أو أنظمة "حكم ذاتي" تابعة لروسيا الاتحادية مثل النظام الشيشاني والداغستاني وأنظمة مشابهة ومماثلة أخرى.

Ad

إن أسوأ ما في تجارب التاريخ القديم والحديث هو أن يبادر شخص، وصل إلى سدة الحكم بانقلاب عسكري دموي أو بمؤامرة بطش فيها برفاقه، إلى "جب" كل ما قبله واعتبار أن التاريخ، تاريخ بلده وشعبه، قد بدأ في اللحظة التي نجح فيها انقلابه أكان سلمياً أم دموياً، وهذا في حقيقة الأمر فعله كل قادة الانقلابات العسكرية والعربية، ومن دون استثناء من الرئيس جمال عبدالناصر إلى كل انقلابيي سورية، وآخرهم حافظ الأسد إلى معمر القذافي بالطبع إلى علي عبدالله صالح إلى صدام حسين، إلى كل الذين تناوبوا على كراسي الحكم في موريتانيا منذ فجر الاستقلال وإلى آخر حركة عسكرية.

ربما أن هناك إجماعاً يؤيده بوتين على أن إرسال الجيش السوفياتي إلى أفغانستان، الذي تم من دون علم ليونيد بريجنيف، لأنه كان في ذروة انهيار أوضاعه الصحية، كان خطأ فادحاً ساهم في زوال التجربة السوفياتية، لكن ما لا يستطيع أحد إنكاره هو أنه كان لـ "الجيش الأحمر" دور أساسي ورئيس في القضاء على أدولف هتلر ونظامه النازي والاستبدادي في الحرب العالمية الثانية.

ويقضي الانصاف عدم إنكار الأدوار العظيمة التي لعبها الاتحاد السوفياتي في دعم ومساندة كل حركات التحرر التي شهدتها معظم عقود القرن العشرين، ومن بينها حركات التحرر العربية، سواء في الجزائر أو دول المغرب العربي أو مصر (حرب السويس عام 1956)، وأيضاً في السودان وكل المشرق العربي، أو بالنسبة إلى القضية الفلسطينية التي كانت قضية سوفياتية.

إن هذه الأمور لا يمكن إنكارها، بل لا يجوز، ولهذا فعندما ينشئ بوتين مؤسسة وطنية لإنصاف الإرث السوفياتي وإحيائه، فإنه يثبت ثقة عالية بالنفس جعلته يصدر قانوناً في عام 2014 يمنع فيه حتى المؤرخين من انتقاد المرحلة الستالينية، واعتبار أنهم لا يحترمون المحاربين القدماء، والمفترض أن تبادر هذه المؤسسة بنشر التاريخ الروسي داخل روسيا وخارجها، بما في ذلك تاريخ المرحلة السوفياتية.

والمستغرب أن هذا الذي قام به بوتين لإنصاف المرحلة السوفياتية، التي لا شك في أنه كانت فيها إيجابيات كثيرة، إلى جانب سلبياتها الكثيرة أيضاً، قد جعل الذين يخالفونه الرأي والذين يقصدون التحامل عليه يصفونه بأنه "ستاليني"، وحقيقة أن هذا لا يعيبه إذا أخذنا بعين الاعتبار ظروف ومتطلبات تلك المرحلة التاريخية التي شهدت أسوأ حرب في تاريخ البشرية، وهي الحرب العالمية الثانية.