تتواتر منذ فترة تصريحات إيجابية من أنقرة، خاصة على لسان وزير خارجيتها جاويش أوغلو تجاه مصر، تؤكد حرص تركيا على استقرار مصر والتعاون معها لتطبيع العلاقات، التي شابها ما شابها بسبب ثورة 30 يونيو وسقوط حكم الإخوان المسلمين، وهذا السلوك الإيجابي من الأتراك تجاه القاهرة يشير أيضاً إلى قبول تركي للوساطة التي تقوم بها المملكة العربية السعودية للمصالحة بين الزعيمين رجب طيب إردوغان وعبدالفتاح السيسي، لمواجهة الوضع المزري والهجمة الإيرانية – الدولية على الأمة الإسلامية.

Ad

وعندما نشير إلى الأمة فإننا نعني "السنة"، فهم عماد الأمة الإسلامية علماً وواقعاً، وقلب الأمة هم العرب، ودماؤها التي تحييها هم المسلمون جميعاً من جاكرتا حتى تيرانا، ومن طشقند حتى مراكش، بكل مذاهبهم وطوائفهم دون استثناء أو تمييز، ولكننا أمام مشروع لطائفة من المسلمين بنكهة قومية ضد هذه الأمة تتعاون لتحقيقه مع كل متربص وعدو لنا في العالم، وهذا ما تفعله إيران مع روسيا وحديثاً مع الولايات المتحدة الأميركية ضد الأمة.

مصر مرت خلال السنوات الأخيرة بظروف صعبة واستثنائية، ولكن أرض الكنانة طوال تاريخها تمر بظروف صعبة، ومستهدفة بالمؤامرات وتواجهها تحديات كبيرة وجدية، لكنها لم تنسحب من مسؤولياتها تجاه أمتها، أو تكون لها قراءات خاطئة وغير دقيقة لما يجري من حولها كما يحدث الآن، فكل أحداث المنطقة ينظر لها في القاهرة من خلال منظار صراع السلطة في مصر مع تيارات الإسلام السياسي (الإخوان المسلمون)، فالإعلام المصري الرسمي يصف القصف الروسي للمدن السورية بأنه قصف للإرهابيين! ويتحاشى ذكر ميليشيات حزب الله التي تقاتل في سورية وبقية الميليشيات الطائفية، ولا يشير إطلاقاً إلى ما يحدث في العراق من تصفية للعرب السنة وتهجيرهم.

في القاهرة حالة استثنائية غير مفهومة تجاه أحداث الأمة، ولكن يمكن تبريرها بالأوضاع الداخلية وتطوراتها خلال السنوات الخمس الأخيرة، ولكن الأحداث الصعبة التي تمر بها "الأمة" لا تحتمل أن تغيب مصر أكثر عنها أو تقاربها بشكل خاطئ، كما تفعل الآن بنزوحها تجاه نظام الأسد الطائفي الفاشي، لأن بعض معارضيه من التيارات الإسلامية.

والكثيرون لا يعرفون كيف يقرأ المصريون الأحداث، فانتصار الأسد هو انتصار للمشروع الفارسي الذي سيهيمن ويحكم الأمة ويجعل مصر قلب أمة بلا شرايين ولا دماء، وستصير مصر كنيجيريا دولة بعشرات ملايين السكان ولكنها بلا قيمة ولا تأثير في إقليمها.

أما توجه مصر لرمي كل ثقلها في تحالف مع روسيا فهو أمر غريب، فموسكو حليف غير موثوق به ومجرب منذ عشرات السنين، وحليف قوي لإسرائيل، ويقيم معها غرفة عمليات مشتركة في عدوانه على سورية، ويتعاون حتى مع الشركات الإسرائيلية التي ستعمل في سد النهضة الإثيوبي، وخاصة في مجال توزيع الكهرباء والطاقة، وموقف موسكو وخذلانها للعرب ومصر معروف عندما بدأت حرب أكتوبر 1973 تهدد جدياً إسرائيل، فبينما كانت واشنطن ترسل الدبابات والأسلحة مباشرة إلى الإسرائيليين في جبهة القتال وقفت موسكو تتفرج، عندما كان إيريل شارون يريد اقتحام الإسماعيلية عبر الثغرة، لمحاصرة وإبادة الجيش الثاني المصري، وهناك العديد من أمثلة الخذلان والتآمر الروسي على العرب.

نحن اليوم في دول الخليج العربي والعراق العربي الدامي وسورية العربية المغتصبة والمنتهكة واليمن العربي الممزق ولبنان العربي تحت الانتداب الإيراني، نقول لمصر إننا نواجه تحدياً وجودياً أمام مشروع عدواني إيراني - روسي، تباركه واشنطن، بعد أن أبرمت مع طهران الاتفاق النووي، والمملكة العربية السعودية تقود تحركاً عسكرياً وسياسياً لمواجهته بتفهم ودعم تركي، ونريد أن نسمع من مصر موقفاً واضحاً وعملياً، ونأمل أن تترفع مصر الكبيرة عن الصغائر، وتنضم إلى حلف الدفاع عن "الأمة" مع الرياض وأنقرة، لأنه بعد سقوط هذه "الأمة" لن يكون لأي منا قيمة أو وزن، وخاصة مصر.