عبر ٥٤ عاماً من العطاء، أصبحت "الطليعة" كتيبة رأي نضالية من أجل الحريات والعدالة والديمقراطية في الكويت، ولم تعد صحيفة أو مجلة تُقرأ وتُطوى صفحاتها، بل غدت مدرسة وطنية رائدة، ومعقلاً حصيناً لأحرار الكويت، وحرية شعبها وكرامته، وحارساً أميناً لمقدراته، ومدافعاً شرساً عن مكتسباته.

Ad

"الطليعة" ليست فقط "مطبوعة ورقية"، إنها كيان التأم لصيقاً بمرحلة مهمة من تاريخ الكويت، وهي عهد الاستقلال والدستور والديمقراطية، "الطليعة" بيت كبير شيّده وسكنه الكبار من قامات العمل الوطني النزيه في تاريخنا المعاصر، وعلى رأسهم الرواد د. أحمد الخطيب وعبدالله النيباري وأحمد النفيسي، والراحلون جاسم القطامي وسامي المنيس وعبدالرزاق الخالد وسليمان الحداد، وكوكبة من العناصر الوطنية الذين أتى على ذكرهم الأخ الكريم أحمد النفيسي في مقالته التوثيقية المؤثرة التي نُشرت في عدد "الطليعة" الوداعي الأسبوع الماضي.

"الطليعة" ركن من أركان تاريخ الصحافة الوطنية الحرة، ومشعل من مشاعل التنوير، حيث تبنّت أحلام الكويت بالمعاصرة والنهضة والانفتاح، وتوقها لتجذير المفاهيم والمبادئ الدستورية وحقوق الإنسان وحماية ثروات البلاد من العبث والفساد وصيانة المكتسبات الشعبية والدستورية والذود عنها دون تهاون، كما وقفت سداً منيعاً أمام الهجمات الظلامية التي ما فتئت تسعى لجر الكويت إلى ما وراء العصر في قضية هنا أو شأن هناك.

إذاً ينبغي ألا يُطيح بـ"الطليعة" خلاف مالي من أحد الأطراف، حسمه القضاء لمصلحته، مع كل ما يعتصر قلوبنا من ألم متصل بمنطلق ذلك الخلاف، الذي كنا نأمل عدم اتساعه ووصوله إلى ما آل إليه بقدر ما تمنينا عدم بروزه أصلاً.

مقال الأستاذ أحمد النفيسي كان بعنوان "الطليعة صوت لن يغيب"، وأشاركه ككثيرين غيري ذلك الإصرار، وأعلم بمساعٍ تُبذل، لتنفيذ حكم "التمييز" بحصول المحكوم لهم على حصتهم من الملكية، من خلال المقتدرين مالياً من مناصري "الطليعة" دون الدخول في "بهدلة" المزاد العلني وانفتاحه على احتمالات مجهولة العواقب، وهنا أتمنى على حماة "الطليعة" الأخوة أعضاء مجلس إدارتها، إتاحة الفرصة لأصدقائها وأنصارها من بسطاء الشعب وأبنائهم الذين من أجلهم انطلقت قبل ما يزيد على نصف قرن، للمساهمة في توفير المال اللازم حسب مقدرتهم، والمشاركة في تسوية مستلزمات تنفيذ الحكم بجهد وتمويل شعبي شامل يمثل رمزية الالتفاف حول هذا الصرح الوطني المستنير، وبما يؤكد الرغبة الشعبية والإصرار على مواصلة صدور "الطليعة" بكل ما تحمله من إرث تاريخي ناصع ومسيرة وطنية نقية.

تقدمت بهذا الاقتراح مباشرة إلى الأخ الكبير عبدالله النيباري، آملاً أن يتم الأخذ به والمسارعة في تنفيذه بالصورة الملائمة، ومتطلعاً للاستجابة الجماعية له، فإهدار التاريخ هو استصغار للمستقبل، وذلك ليس العهد بشعبنا الحي، و"الطليعة" ينبغي أن تكون "وهجاً لا ينطفئ".