خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وتوازن القوى

نشر في 15-04-2016
آخر تحديث 15-04-2016 | 00:01
إذا غادرت بريطانيا الاتحاد الأوروبي، فسوف يتم تهميش أقرب حليف لأميركا... وسيواجه المشروع الأوروبي برمته خطر الانهيار في الوقت الذي يواجه فيه الغرب تهديدات اقتصادية وأمنية جديدة، وليس من المستغرب أن يرحب فلاديمير بوتين ببريكست ويتدخل في السياسة الداخلية للدول الأوروبية في محاولة لإضعاف الاتحاد الأوروبي.
 بروجيكت سنديكيت انضمت بريطانيا إلى الاتحاد الأوروبي في عام 1973، وفي 23 يونيو المقبل من هذا العام ستجري استفتاء لتأكيد بقائها أو خروجها من الاتحاد الأوروبي، فهل ينبغي لها فعل ذلك؟

أظهرت الاستطلاعات الحالية أن الناخبين منقسمون بشكل كبير، وادعى رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون أن التنازلات التي حصل عليها من شركاء الاتحاد الأوروبي لمصلحة بريطانيا من شأنها تهدئة المخاوف الشعبية حول فقدان السيادة إلى بروكسل وتدفق العمال الأجانب من أوروبا الشرقية، لكن حزب كاميرون المحافظ وحكومته منقسمون بشكل ملحوظ، في حين أن رئيس بلدية لندن، الشعبوي بوريس جونسون، قد انضم إلى أنصار مغادرة بريطانيا للاتحاد الأوروبي "بريكست".

وهناك تضارب في الصحافة البريطانية أيضا حول مسألة تكاليف وفوائد عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، فالعديد من المنشورات الواسعة الانتشار تدعم "بريكست"، في حين أن الصحافة المالية تدعم استمرار العضوية. وتشير جريدة الإيكونوميست، على سبيل المثال، إلى أن نحو 45٪ من الصادرات البريطانية تذهب إلى دول الاتحاد الأوروبي الأخرى، ومن المرجح أن تكون أجواء التفاوض التجاري في مرحلة ما بعد بريكست غير ودية.

وعلاوة على ذلك فقد أوضح الاتحاد الأوروبي لغير الأعضاء مثل النرويج وسويسرا أنه يمكن أن يكون لهم حق الوصول الكامل إلى السوق الواحدة شريطة أن يقبلوا معظم قواعده، بما في ذلك حرية تنقل الأشخاص، والمساهمة في ميزانية الاتحاد الأوروبي.

 وبعبارة أخرى فإن بريطانيا خارج الاتحاد لن تكسب الكثير من حيث "السيادة"، بل على العكس من ذلك، ستفقد تصويتها وتأثيرها على شروط مشاركتها في السوق الواحدة، وفي الوقت نفسه ستقوم المراكز المالية المنافسة مثل باريس وفرانكفورت باغتنام الفرصة لفرض القواعد التي ستساعدهم على استعادة الأعمال من لندن.

وهناك تعقيد سياسي آخر: يتمثل بصعود القومية في أسكتلندا وتأثير بريكست على بقاء المملكة المتحدة، وفي عام 2014، صوتت أسكتلندا في استفتاء خاص من أجل البقاء في المملكة المتحدة، لكن القوميين فازوا تقريبا بجميع مقاعد أسكتلندا في الانتخابات العامة بعد ثمانية أشهر، ويؤيد الرأي الأسكتلندي أوروبا أكثر من إنكلترا، ويعتقد الكثيرون أن بريكست سيؤدي إلى استفتاء آخر حول الاستقلال، وسيتذكر العالم أن رئيس الوزراء كاميرون ساعد على تقسيم المملكة المتحدة (وربما أوروبا).

في الولايات المتحدة، أعربت إدارة الرئيس باراك أوباما بوضوح عن اعتقادها بأن بريطانيا وأوروبا في حال أقوى معا في الاتحاد، فمن الخطأ أن نتوهم أن العلاقة الخاصة مع الولايات المتحدة ستحل محل نفوذ أوروبا، لكن الشعب البريطاني هو من سيقرر ما إذا كان سيدعم بريكست، مع وجود اليد الأميركية في الأمر والتي يمكن أن تكون لها نتائج عكسية.

وفي الوقت نفسه قال دوغلاس الكسندر، وزير الخارجية في حكومة الظل العمالية "منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، كانت أميركا بمثابة مشغل النظام الدولي المبني على تحالف أطلسي قوي ومستقر بدعم من ركيزتي حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي". فإذا غادرت بريطانيا الاتحاد الأوروبي، فسوف يتم تهميش أقرب حليف لأميركا... وسيواجه المشروع الأوروبي برمته خطر الانهيار في الوقت الذي يواجه فيه الغرب تهديدات اقتصادية وأمنية جديدة، وليس من المستغرب أن يرحب فلاديمير بوتين ببريكست ويتدخل في السياسة الداخلية للدول الأوروبية في محاولة لإضعاف الاتحاد الأوروبي.

قد لا تظهر عواقب بريكست الجيوسياسية على الفور، ويمكن للاتحاد الأوروبي أن ينتعش مؤقتا، لكن ذلك سيلحق ضررا بشعور أوروبا بالمسؤولية وقوة جذبها الناعمة، وسيكون ضمان الاستقرار المالي وتدبير إشكالية الهجرة صعبا للغاية.

وبالإضافة إلى إحياء النزعة الانفصالية الأسكتلندية، يمكن أن ترتفع وتيرة التحول الداخلي الذي عرفته بريطانيا في السنوات الأخيرة، وعلى المدى الطويل ستكون لمغادرة بريطانيا آثار سلبية على ميزان القوى العالمي والنظام الدولي الليبرالي، والذي تستفيد منه بريطانيا بشكل قوي.

عندما تتصرف أوروبا ككيان واحد تصبح أكبر اقتصاد في العالم، إذ يبلغ عدد سكانها نحو 500 مليون نسمة، أكبر بكثير من أميركا 325 مليون، فهي أضخم سوق في العالم، حيث تمثل 17٪ من التجارة العالمية، كما توزع أوروبا نصف المساعدات الخارجية في العالم، ولديها 27 جامعة مرتبة من بين الـجامعات الـ100 الأحسن في العالم، وتمثل صناعاتها الخلاقة نحو 7٪ من الناتج المحلي الإجمالي، مع أن الدخل الفردي في أميركا أعلى، إلا أن أوروبا من حيث رأس المال البشري، والتكنولوجيا، والصادرات، تشكل نظيرا اقتصاديا كبيرا.

ومن حيث الإنفاق العسكري، تحتل أوروبا المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة، وهو ما يمثل 15٪ من الإجمالي العالمي، مقارنة مع 12٪ للصين و5٪ بالنسبة إلى روسيا، وبطبيعة الحال فإن هذا العدد مخادع إلى حد ما، نظرا لافتقار أوروبا إلى التكامل العسكري، وتعتبر فرنسا وبريطانيا المصدرين الرئيسين لقوة التدخل السريع الأوروبية.

كما تعزز الموارد الأوروبية والأميركية بعضها بعضا، ويعد الاستثمار المباشر في كلا الاتجاهين أعلى من الذي نجده مع آسيا، كما أن التجارة بين الولايات المتحدة وأوروبا هي أكثر توازنا من تجارة الولايات المتحدة مع آسيا، وعلى المستوى الثقافي يتقاسم الأميركيون والأوروبيون قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان نفسها أكثر من أي مناطق أخرى من العالم.

وإذا أخذنا بعين الاعتبار الصين الصاعدة، وروسيا التي تشهد انحدارا ومخاطر، واحتمال الاضطراب لفترة طويلة في الشرق الأوسط، فسيكون التعاون الأطلسي الوثيق حاسما للحفاظ على النظام الدولي الليبرالي على المدى الطويل. وإذا اعتبرنا أن بريكست سيؤدي إلى إضعاف كل من أوروبا وبريطانيا، وسوف يجعل النظام الدولي أكثر فوضوية، فيجب ترجيح كفة الميزان للإبقاء على الوضع الراهن.

* جوزيف س. ناي | Joseph Samuel Nye، مساعد وزير دفاع الولايات المتحدة الأسبق، وأستاذ بجامعة هارفارد، ومؤلف كتاب «قوى الزعامة».

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top