تشابكت خيوط الأزمة السورية بعد فشل مفاوضات جنيف عدة مرات بين الحكومة والمعارضة، وشبع السوريون وعوداً على مدار 5 سنوات ذاقوا فيها الويل، وقتل منهم من قُتِل، وشرد منهم من شرد، وظل بعضهم عالقاً على الحدود "لا طال بلح تركيا ولا عنب الدول الأوربية"، وتقاعست الدول الكبرى عن نصرة هذا الشعب المناضل الصامد الذي يتجرع المرارة وحده، ويئن ما بين مطرقة القصف الروسي المتواصل وسندان تنظيم "داعش" الإرهابي.
وفي ظل هذا الظلام الحالك ظهر بصيص أمل من بعيد بإعلان المملكة العربية السعودية استعدادها للتدخل البري في سورية على غرار "عاصفة الحزم" التي تقودها باليمن في محاولة لوضع حد لهذه المأساة الإنسانية.ورغم الضغوط الكثيرة التي كانت تمارَس على السعودية من قبل روسيا، فإنها ظلت متمسكة بموقفها الرافض لاستمرار بشار الأسد على سدة الحكم، ودعمت مبادرات ومؤتمرات الحل السياسي، ثم قامت بدعم المعارضة المعتدلة من أجل إنهاء الأزمة التي تفاقمت وصنفت بأنها المأساة الإنسانية الكبرى بعد الحرب العالمية الثانية، ثم انضمت السعودية إلى التحالف الدولي لمحاربة "داعش" في سبتمبر 2014، ودعمت الغارات الجوية ضد التنظيم. ولكن مع تطورات الأوضاع أدركت السعودية أن الغارات الجوية وحدها لن تهزم "داعش" في ظل تشابك الأوضاع ودخول روسيا على خط المواجهات، لذا أعلنت استعدادها لخوض حرب برية بمشاركة قوات من التحالف الإسلامي الذي أعلن تشكيله في نهاية العام الماضي، والذي يلاقي تأييداً من أكثر من 30 دولة.والتاريخ يشهد لمواقف المملكة الوطنية والبطولية تجاه القضايا العربية والإسلامية العادلة، فمن ينسى موقفها أثناء الغزو العراقي الغاشم على الكويت حيث احتضنت القضية والشعب وانطلقت من أراضيها "عاصفة الصحراء" التي حررت الكويت وشعبها من بطش الطاغية المقبور صدام حسين؟ وكذلك مَن ينسى الدور الذي تقوم به السعودية تجاه القضية الفلسطينية ودعمها المادي والعسكري والسياسي أيضاً، كما أن المملكة هي التي رعت اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية في لبنان، ولاتزال تبذل جهودها ومساعيها الحميدة للمصالحة بين اللبنانيين وتقدم المساعدات الاقتصادية لهم من واقع بعدها الديني والإنساني الذي كفلته الشريعة الإسلامية السمحة.وفيما يتعلق بالأزمة اليمنية، كان الموقف السعودي واضحاً منذ بدايتها وهو الانحياز التام إلى مصلحة الشرعية المعترف بها دولياً، وسعت المملكة جاهدة إلى حلها بالطرق الدبلوماسية، ولكنها صُدِمت بعناد الحوثيين، فهبت لتلبية نداء الواجب من خلال عاصفة الحزم بدعم كثير من الدول العربية من أجل إنقاذ اليمن وشعبه من فئة تغولت فيها روح الطائفية المقيتة، كما وقفت المملكة إلى جانب العراق وأكدت مراراً أهمية ترسيخ وحدته واحترام استقلاله وسيادته وعدم التدخل في شؤونه الداخلية، ودعت إلى تحقيق المصالحة الوطنية الشاملة ونزع سلاح الميليشيات وإحياء مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية والسياسية والاقتصادية وعدم المساس بالتوازن الاجتماعي ونسيج التآخي والتراحم الذي يربط بين المذاهب والعشائر والمناطق العراقية.وتصدت المملكة العربية السعودية، ولاتزال، للمحاولات الإيرانية لتفتيت المنطقة من خلال بث سموم الفتن الطائفية فيها ووقفت بالمرصاد ضد امتلاك إيران أسلحة نووية وساندت المفاوضات والمساعي السلمية الدولية لإنهاء هذا الملف الشائك، كذلك لا تتوانى المملكة في التصدي لحملات تشويه الإسلام مثلما فعلت مع ما ورد في بعض الصحف الأوروبية من إساءة إلى شخص الرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم، والتي تتنافى مع احترام وقدسية الأديان والرسل، حيث قادت حملة للتنديد بهذه التصرفات العنصرية وغير ذلك من المواقف العظيمة التي سجلها التاريخ للمملكة بأحرف من نور... أسأل الله العلي القدير أن يحفظ السعودية ودول الخليج والدول العربية جميعاً، وأن يعين القادة على ما فيه خير ومصلحة الشعوب ويسدد على طريق النصر خطاهم.
مقالات - اضافات
السعودية تعيد كتابة التاريخ
13-02-2016