اتحاد دول الخليج العربية
أعلم تماماً أن طرح هذه الموضوع قد يولد ردود أفعال بعضها إيجابية وأخرى سلبية، وربما فريق ثالث يرى أن الوقت غير مناسب لطرح مثل هذه الموضوعات لكننا مصممون على طرحه وسنذكر مبررات هذا المشروع.أولاً، وقبل كل شيء، الفكرة تتمحور حول مشروع استراتيجي تتوقف عليه حياة دول الخليج العربية وشعوبها، ففي منطقة الخليج ثلاث قوى هي: إيران والعراق ودول مجلس التعاون لدول الخليج العربية أضعفها في المقومات هي دول الخليج العربية.
فمقومات دول الخليج الجغرافية أغلبها محدودة والسكانية المواطنة قليلة، والقوة العسكرية محدودة، والموارد أساسها النفط وغير متنوعة، هذا إذا أخذنا كل دولة خليجية على حدة، في الوقت الذي تتوافر المقومات القوية لإيران والعراق على الرغم من المشكلات التي يعانيانها، فإيران يبلغ عدد سكانها سبعين مليوناً، ومساحتها كبيرة جداً وقوتها العسكرية كبيرة، ومواردها الاقتصادية متنوعة، ونظامها السياسي له أطماع بدول الخليج العربية، والوضع نفسه ينطبق على العراق مع أنه يعاني مشكلات أكثر تعقيداً من إيران، ذلك يعني أن خللاً في ميزان القوى الاستراتيجي قائم في منطقة الخليج، والحل هو وجود القوة الثالثة الموازية، وهي كيان اتحادي خليجي قوي المقومات بما يوازي إيران والعراق، فلم تعد موجودة نظرة القوي للضعيف، ولا الكبير للصغير بل هناك علاقات ورؤى ندّية بين القوى الثلاث. ومشروع الاتحاد بين دول مجلس التعاون الذي هو طموح شعوبها، ونص عليه القانون الأساسي لمجلس التعاون ونادى به الملك عبدالله آل سعود رحمه الله هو مشروع استراتيجي للمستقبل، وقد يأخذ وقتاً طويلاً غير أن التحديات الإقليمية والدولية تفرض نفسها وتحتم العمل من الآن لتحقيق هذا المشروع، ونعرف حجم المشكلات والمعوقات التي تواجه مثل هذه المشاريع، وفي مقدمتها أصحاب النظرة الضيقة الذين لا يفكرون بالمستقبل البعيد بل بالحاضر فقط. ويمكن طرح رؤية مستقبلية للاتحاد مبنية على قناعات ووقائع نعيشها تحتاج إلى الحوار بشأنها حتى تتبلور الفكرة:أولاً: لنطرح جانباً تجارب ومشاريع الوحدة والاتحاد العربي التي سادت الحالة السياسية العربية في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين، ولنفكر بصيغة أخرى، وفهم للتجارب الاتحادية الناجمة ولدينا تجارب ولدى غيرنا، وتجربة اتحاد الإمارات العربية جديرة بالدراسة.ثانياً: إن المشتركات بين شعوب دول الخليج العربية عديدة وأساسية قبل النفط، وفي العصر النفطي يمكن أن تشكل الانطلاق لمشروع الاتحاد.ثالثاً: إزالة هاجس الاحتواء والهيمنة من الأكبر للأصغر بثقافة إيجابية مختلفة تتجه نحو إزالة ذلك الهاجس والسعي نحو التكامل. رابعاً: إن الثقافة المطلوبة لمشروع الاتحاد تقوم على الدولة المدنية الدستورية الديمقراطية، ولا مجال للتردد في السعي إلى ذلك.خامساً: علينا أن نأخذ التحديات الإقليمية بعين الاعتبار عند الشروع في مشروع الاتحاد فكرة وتطبيقاً، وهي كثيرة وخطيرة على الوجود ومستقبل الأجيال، ومؤشراتها واضحة من الحاضر والماضي القريب.سادساً: علينا أن نبدأ بمشاريع تكاملية اقتصادية وتعليمية وثقافية واجتماعية، ولا نسمح بأن تكون السياسة معوقاً.سابعاً: معالجة المعوقات والمشكلات التي تعانيها دول المنطقة مثل: الخلل في التركيبة السكانية والفساد الإداري والمالي وغيرها.ثامناً: إن فهم مضمون الاتحاد المطلوب والمنشور مهم لبنائه وضمان لاستمراره.تاسعاً: إعطاء أهمية لدور المثقفين الحقيقيين، وإدراك المثقفين أهمية هذا المشروع على مستقبل المنطقة والبدء بتكوين رؤية له.عاشراً: إن مشكلتنا تكمن في أننا نفكر بالحاضر فقط، وننعم بدولة الرفاهية الريعية دون أن يمتد هذا التفكير إلى المستقبل ومرحلة ما بعد هذه الدولة الريعية التي هي آتية لا ريب فيها.الحادي عشر: إن التردد والتخوف من قيم الاتحاد لا مبرر له وهو إضافة للجهد العربي الموحد، وليس محوراً مضاداً، ويعتبر ردا طبيعيا على مشاريع التجزئة العرقية والطائفية، وإن عائدات النفط تغطي كثيراً من عيوبنا وسلبيات أوضاعنا لكن هذه الحالة ليست حتمية ودائمة، وعلينا أن ندرك ذلك ونفكر فيه.