فؤاد وعثمان
النتيجة الحتمية لسلطة التكفير المملوكة للبعض هي الإقدام على أفعال لا تُحمد عقباها، تودي بحياة أشخاص لا ذنب لهم سوى أنهم ينتهجون مسارا مغايرا لمن يطلق دعاوى التكفير تلك، فقد يذهب رجل أمن بريء كل دوره أن يحفظ النظام ويوفر الحماية للمحتفلين بالأعياد لأنه باعتقاد أحمق هنا وسفيه هناك يرعى عادات الكفر.
من يعرفني يعلم جيدا أنني لست من الداعين إلى الحجر على الآراء مهما كانت تلك الآراء سيئة أو سخيفة وتافهة في نظري، حتى إن مستني تلك الآراء بشكل شخصي كأن يكتب أحدهم عني بأني مسيّر أو طائفي أو مرتزق لا مشكلة لديّ إطلاقا، بل لا أقدم حتى على حجب من يكتب تلك المفردات ومترادفاتها في وسائل التواصل أبدا، وهو ما يسقط أيضا على الشتم والكلام البذيء، فأنا لم أقم أبدا باللجوء إلى القضاء تجاه من يشتم ولم أستخدم خصوصية الحجب أيضا، علما أنه أمر لا بأس به، بل قد يكون مفيداً أحيانا مع البعض، ولكني لم أستخدم هذا الحق إلى اليوم.وما يجعلني لا أبالي بأي هجوم أو تجريح هو حرية الإنسان في التعبير بالمقام الأول، والأمر الآخر هو أن الرأي مهما بلغت حدته فإن ضرره لن يتجاوز الشق النفسي والمعنوي فقط، بمعنى قول أحدهم إني طائفي مثلا قد يجعل البعض يصدق هذا الرأي لكنه لن يتجاوز هذا الحد في الحالات الطبيعية. مشكلتي الكبرى وما أرفضه جملة وتفصيلا هو إقحام الدين في النزاع أو الخلاف الفكري، باستخدام مفردات كـ"خارج عن الملة، وكافر، ومهدور الدم" وهي مفردات لا تتطلب سوى لحية طويلة لإطلاقها بل اعتناقها من بعض المتلقين، وسبب رفضي بل محاربتي أيضا لتلك المفردات هو أنها قد تقود في كثير من الأحيان لفعل مادي يلحق الضرر بأفراد أو جهات، فيقدم شخص على الاعتداء أو القتل لمجرد أن رجلاً ملتحياً صنّف فرداً أو مجموعة بأنهم كفرة أو خارجون عن الملة.خلال الأسبوع الماضي قرأت وشاهدت مثالين عن طرح تجب محاربته على مستوى الدولة والمجتمع على حد سواء، فهذا فؤاد الرفاعي المستثنى من جميع قوانين الدولة يصدر منشوراً يوزع على الكويت بأسرها يقول فيه إن مفردات مثل "عيدي يا كويت... افرحي يا كويت... عزيزة يا كويت... الكويت أمّنا" كفر، ويكررها مرتين وإن احتفالات الكويت بالأعياد الوطنية تقليد للكفار، أما الآخر فهو عثمان الخميس الذي اختصر كل الأمور ليقول في مقطع مرئي نشر عبر حسابه في "اليوتيوب" إن العلمانية والليبرالية كفر، ومن يعتنقها كافر، وذهب إلى أبعد من ذلك في إدخال الديمقراطية ضمن سياق حديثه على الرغم من أن النص الدستوري الكويتي واضح بأن "نظام الحكم في الكويت ديمقراطي، السيادة فيه للأمة مصدر السلطات جميعا".إن النتيجة الحتمية لسلطة التكفير المملوكة للبعض هي الإقدام على أفعال لا تُحمد عقباها، تودي بحياة أشخاص لا ذنب لهم سوى أنهم ينتهجون مسارا مغايرا لمن يطلق دعاوى التكفير تلك، فقد يذهب رجل أمن بريء كل دوره أن يحفظ النظام ويوفر الحماية للمحتفلين بالأعياد لأنه باعتقاد أحمق هنا وسفيه هناك يرعى عادات الكفر التي ذكرها فؤاد وغير فؤاد من أصحاب الطرح نفسه وهو ما حدث فعلا، وقد ترتكب أعمال إجرامية أيضا تجاه جهات تطالب بالعلمانية لأن تأويل عثمان وغير عثمان من أصحاب الطرح نفسه يرون أنها كفر.إن صلاحية التكفير الخارجة عن نطاق الدولة وقوانينها يجب ألا نتغاضى عنها أو نتجاوزها لأنها تكون في أحيان كثيرة تحريضا صريحا على القتل، ويجب التعاطي مع هذا الملف بحزم أكبر وأشد من تعاطي الدولة وحكومتها مع قضايا الرأي كانتقاد شيخ أو وزير أو نائب.