تابعت بفرح وسعادة عروض مهرجان المسرح العربي في دورته الثامنة، التي عرضت في الكويت تحت رعاية سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد، واهتمام سمو الشيخ الدكتور سلطان القاسمي حاكم الشارقة، الذي يدين له المسرح الخليجي والعربي بالكثير، فهو الذي يقف وراء تواجد هذا الفن المسرحي الذي يتعرض للاضمحلال والأفول في زمن التراجع الثقافي هذا، والعروض تتنافس تحت مظلة جائزته.

Ad

لذا كان هذا المهرجان الثامن نجاحا لدعم مسيرته واستمراره رغم كل المحبطات التي تحيط بالفن المسرحي وبالواقع العربي كله، فلم يعد هناك أي شيء مفرح بوسط هذه الصراعات السياسية الدامية التي دمرت الوطن العربي وسرقت كل البهجة والفرح منه، ولم يتبق هناك منفذ أو مهرب للتخفيف من وطأة الوجع المطل في كل صباح يُشرق على هذه الأمة العربية المبتلية في أوجاعها، إلا في بعض ما يأتيها من إشراقات إبداعية فنية تستطيع أن تخفف أو تجفف أو تمحو شيئا من ذاكرة لا تعرف كيف تغفو وتنسى ما حل بها.

حملت دورة المهرجان المسرحي الثامن هذه حركة وبهجة أضافت الكثير من الانفتاح الثقافي الذي تشهده الكويت الآن بشكل واضح متجل، وكأن هناك خطة لزيادة الأنشطة والفعاليات الثقافية غير الخاضعة لرقابة التشدد، وهذا ما لاحظته في فعاليات كثيرة وأنشطة لدار الآثار الإسلامية عبر مركزيها الأمريكاني واليرموك، وأنشطة حديقة الشهيد وبيت لوذان والجالريات الخاصة والتابعة للدولة والمسارح، فقد كثرت العروض الراقصة والغنائية والموسيقية ودروس الرسم والتأمل واليوجا، وعروض متعددة تزدحم بها أيام الأسبوع، وهذا شيء جميل ومبشر بإعادة تشكيل روح وعقل ووجدان الشباب، وإبعادهم عن العنف والتطرف، فالفن والأدب هما ثقافة التربية الوجدانية للإنسان، لذا كانت إقامة مثل هذا المهرجان المسرحي بالكويت فرصة عظيمة لإطلاع جمهور الشباب عليها، خاصة أنها حملت انفتاحا ثقافيا على مسارح دول تجربتها كبيرة فيه، مثل تونس والمغرب ومصر والجزائر والعراق، وعلى وجه الخصوص المسرح التونسي الذي هو مدرسة مسرحية متطورة بالأداء المتقدم منذ زمن طويل، وكنت من أكثر المتابعين للعروض التونسية التي تتواجد في المهرجانات المسرحية، فهي بحق قد اكتملت تجربتها وتفوقت بأدواتها الأدائية على كل الصعد، ولهذا فرحت لوجود خمسة عروض مختلفة لها في هذا المهرجان، وهي الأكبر حصة فيه.

وقبل أن أستعرض هذه العروض أحب أن أشير إلى نقطتين أولاهما الحافلات أو باصات النقل التي خُصصت لنقل الوفود البالغ عددهم أكثر من أربعمئة مبدع ومبدعة من دكاترة وأساتذة مسرح ونقاد ومحكمين وفنانين لهم قيمتهم الأدبية والفنية، تم نقلهم في ناقلات قديمة متخلخلة وسخة منتهية الصلاحية ولا تصلح للجلوس ولا تمنح الراحة ولا تحترم الضيوف، والأهم من هذا كله لا تمثل قيمة الكويت ووجهها الحضاري وتقديرها لضيوفها، وعندما سألت أحد سائقي الباصات إن كانت هذه الحافلات تابعة للوزارة، رد بأنها مستأجرة، وهذه هي المشكلة التي تم فيها "تنفيع" أحد ما على حساب سمعة الكويت واحترامها، عيب وعيب كبير هذا الذي حصل لاسم وكرامة وطن.

الأمر الثاني هو قلة أو عدم تواجد الكتاب والفنانين التشكيليين في حضور العروض المسرحية المتميزة لهذا المهرجان، ولا يوجد لدي أي تفسير لهذا الغياب، فالمسرح أبو الفنون كلها وحضوره ثراء فني ثقافي ومتعة عقلية وجدانية لا تقارن بفن آخر، خاصة أنه قد اجتمعت فيه عروض مسرحية جريئة متقدمة لأول مرة تنفتح لها مسارح الكويت.

بلغ عدد العروض المسرحية خمسة عشر، لتونس وحدها خمسة، والمغرب عرضان، ومصر عرض واحد، وكذلك سورية والعراق، والجزائر عرضان، والكويت مثلها، والإمارات عرض واحد، وكان يتم عرض ثلاث مسرحيات في اليوم الواحد، ما يصعب متابعتها كلها بسبب الازدحام المروري وبعد المسارح عن بعضها، وكان يتبع كل عرض ندوة تطبيقية له في مسرح الدسمة، تمنيت حضورها لولا صعوبة التوفيق بينها وبين العروض الأخرى.

سعدت بهذه العروض التي عُرضت في مسارح عالمية ونالت جوائز عديدة، كما أنها ضمت أسماء مخرجين مبدعين، مثل فاضل الجعايبي الذي هو قامة مسرحية في المسرح العربي، وتوفيق الجبالي ونعيمة زيطان وانتصار العيساوي، وآخرين أبهجنا إبداعهم.