تصاعد التوتر بين موسكو وأنقرة، مع استمرار الأولى في قصف حلب واستهداف مناطق تسيطر عليها فصائل معارضة مقربة من تركيا، في وقت أصرت الثانية على وقف تقدم الأكراد في مناطق تابعة للمعارضة على الحدود التركية.

Ad

قال رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو، أمس، إن تركيا لن تسمح بسقوط بلدة أعزاز في شمال سورية في يد مقاتلي "وحدات حماية الشعب"، محذراً من أنهم سيواجهون "أقسى رد" إذا اقتربوا من البلدة مجددا.

وقال داود أوغلو، أمس، إن بلاده ستجعل قاعدة منغ الجوية شمالي مدينة حلب "غير صالحة للاستخدام"، ما لم ينسحب الأكراد من المنطقة التي انتزعوا السيطرة عليها من مقاتلي المعارضة السورية.

وحذرهم من التحرك إلى شرق منطقة عفرين، التي يسيطرون عليها، أو إلى الضفة الغربية من نهر الفرات، الذي تعده أنقر "خطا أحمر".

واتهم رئيس الوزراء التركي روسيا بالتصرف في سورية كأنها "منظمة إرهابية"، متوعدا برد قوي.

وقال في مؤتمر صحافي في كييف مع نظيره الأوكراني ارسيني ياتسينيوك: "اذا واصلت روسيا التصرف كأنها منظمة إرهابية ترغم المدنيين على الفرار، فسنوجه اليها ردا حاسما جدا"، وفق الترجمة الرسمية لما قاله.

وأضاف: "روسيا وتنظيم الدولة الاسلامية في سورية ارتكبا العديد من الجرائم ضد الانسانية، وهذه القضية ينبغي النظر فيها، في اطار القانون الدولي"، متهما موسكو والتنظيم المتطرف بمواصلة "الهجمات الوحشية على المدنيين" في هذا البلد، محذرا من أنه "اذا استمرت الألاعيب الدبلوماسية، كما حصل في جنيف او ميونيخ، فستتحمل الاسرة الدولية هذه المشاكل".

ونفى وزير الدفاع التركي عصمت يلمظ دخول جنود أتراك سورية في مطلع الأسبوع، وقال إن أنقرة لا تفكر في إرسال قوات إلى هناك. ونفى يلمظ تقارير قالت إن طائرات سعودية وصلت إلى قاعدة إنجرليك التركية، لكنه قال إن الرياض اتخذت بالفعل قرارا بإرسال أربع طائرات من طراز "إف - 16".

قصف تركي

وواصلت تركيا قصفها الأكراد، أمس، وركزت مدفعيتها على قصف الطريق بين مطار منغ العسكري ودير الجمال باتجاه تل رفعت، في محاولة لقطع طريق التعزيزات عن "قوات سورية الديمقراطية"، التي تهيمن عليها "وحدات حماية الشعب" التركية.

وعلى الرغم من القصف التركي، فإن "قوات سورية الديمقراطية" نجحت في السيطرة على بلدة كفرنايا، التي تقع على بُعد كيلومترين فقط إلى الجنوب من تل رفعت، وفق المرصد.

موسكو وحلب

وجاءت اتهامات وزير الخارجية التركي لموسكو، بعد بضع ساعات من بيان اصدرته الخارجية الروسية، وأعربت فيه عن "قلقها البالغ" حيال قصف المدفعية التركية لمواقع المقاتلين الاكراد السوريين لليوم الثالث على التوالي.

وقالت الخارجية الروسية إن موسكو ستواصل الغارات الجوية قرب حلب، حتى إذا تم التوصل إلى وقف إطلاق النار.

استهداف مشفيين

وتعرضت أعزاز لإطلاق نار كثيف مرة أخرى، أمس. وقال مسعف واثنان من السكان إن 14 مدنياً على الأقل قتلوا عندما أصابت صواريخ مستشفى أطفال ومدرسة ومواقع أخرى. وقتل سبعة مدنيين أمس في غارة جوية استهدفت مستشفى تدعمه منظمة أطباء بلا حدود جنوب مدينة معرة النعمان في محافظة ادلب - شمال غرب سورية، وفق ما أفادت المنظمة في بيان.

وأعلنت المنظمة مقتل سبعة أشخاص على الأقل هم "خمسة مرضى ومقدم رعاية واحد وحارس"، بالاضافة إلى "فقدان ثمانية موظفين يُرجح أن يكونوا في عداد الأموات، من جراء هجوم صاروخي وقع صباح أمس.

وقال رئيس بعثة منظمة أطباء بلا حدود ماسيميليانو ريباودينغو، إن "هذا الهجوم على المرفق الطبي المدعوم من قبل أطباء بلا حدود يبدو متعمداً". وأضاف أن "تدمير هذا المستشفى يحرم السكان المحليين، الذين يبلغ عددهم نحو 40 الف نسمة، من الوصول إلى الخدمات الطبية في منطقة نزاع". وأوضحت المنظمة أن المستشفى يحتوي على 30 سريرا، ويعمل فيه 54 موظفاً، وفيه غرفتا عمليات وقسم للعيادات الخارجية وغرفة طوارئ واحدة. وتدعم منظمة اطباء بلا حدود هذا المستشفى منذ سبتمبر 2015، وتؤمن له المعدات الطبية والتكاليف الضرورية لتشغيله. وتدعم منظمة أطباء بلا حدود 153 مستشفى ميدانيا ومراكز صحية أخرى في مختلف أنحاء سورية.

كيف أمنت روسيا دمشق؟

في الوقت الذي تدك فيه الطائرات الحربية الروسية مواقع مقاتلي المعارضة في ساحة المعارك في سورية، يؤدي خبراء الاستراتيجية العسكرية الروس دوراً أدق في دعم الرئيس السوري بشار الأسد.

وقالت مصادر من طرفي القتال لـ"رويترز" في مقابلات جرت خلال الشهرين الأخيرين، إن مستشارين روس يشاركون في رسم الخطط لتأمين دمشق مقر حكم الأسد.

وذكر بعض من أجرت "رويترز" مقابلات معهم، ومن بينهم مسؤولون عسكريون غير سوريين يقاتلون في صفوف القوات السورية، أن خطط روسيا لدعم دمشق تشمل إضعاف قوات المعارضة في جنوب البلاد بين العاصمة والأردن، والهدف هو تقليص فرص شن المعارضة هجوماً كبيراً. وتؤكد روسيا أن لها مدربين ومستشارين على الأرض، غير أن الدور الذي يؤدونه يقتصر على التدريب وتقديم المشورة فقط. ويقول مقاتلون من المعارضة ومسؤولون عسكريون غير سوريين، إن نفوذ روسيا في التخطيط العسكري واضح بالفعل.

ويضيف هؤلاء، أن الخبراء الروس أدوا دوراً كبيراً في هجوم الجيش السوري في مطلع العام بمحافظة اللاذقية الساحلية غربي البلاد موطن الأقلية العلوية التي ينتمي إليها الأسد. وساهم هذا الهجوم في تمهيد الطريق لتقدم الجيش السوري صوب الحدود التركية ليقطع خطوط إمداد المعارضة من تركيا. ومع ذلك، تتباين الآراء في مدى المشاركة الروسية في ساحة القتال.

وقال مسؤولان عسكريان غير سوريين، لكنهما يشاركان في القتال في صفوف الجيش السوري، إن ضباطاً وخبراء عسكريين من روسيا ساعدوا في التخطيط وتوجيه هجوم اللاذقية. وحسب ما رواه المسؤولان، كان الروس مسؤولين عن نيران المدفعية وتوفير غطاء من النيران وليس الضربات الجوية فقط.

وتقول مصادر موالية للحكومة، إن الدور الروسي توسع ليشمل تسهيل إبرام اتفاقات محلية لوقف إطلاق النار في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة حول دمشق، بهدف إقامة منطقة عازلة حول العاصمة. ووصف وزير المصالحة الوطنية السوري علي حيدر الاتفاقات المحلية لوقف إطلاق النار بأنها سورية تماماً حتى إذا كانت تتم في بعض الأحيان بمعاونة روسية. وتقول المصادر غير السورية التي أجرت "رويترز" مقابلات معها، إن المستشارين الروس دبروا اتفاقين تم فيهما إجلاء مقاتلين إسلاميين متشددين من الجنوب إلى مناطق سيطرة جماعاتهم في المحافظات الشمالية والوسطى.