تصريحات منسق وفد المعارضة السورية رياض حجاب التي اتهم فيها الولايات المتحدة بالتراجع عما تمّ الإتفاق عليه في إجتماعات أصدقاء سورية الشهر الماضي، لم تعبر عن خيبة أمل تلك المعارضة ومن يقف وراءها من سياسات واشنطن فقط، بل كشفت أيضاً عن اختلافات في النظرة إلى مستقبل هذا البلد في ظل اقتناع بأن «التلزيم» الأميركي لملفه بات منعقداً لروسيا، التي تحولت إلى مرجعية دولية إقليمية، على حساب باقي اللاعبين الآخرين.

Ad

تقول أوساط أميركية، إن تطور الخلاف الإيراني - السعودي، إنما يصب في مصلحة التحليل، الذي اعتمدته إدارة الرئيس باراك أوباما بدعم من المؤسسة العسكرية، للصراع المحتدم في المنطقة وآفاقه.

فقرار الانسحاب من أزماتها تحول إلى مشاريع إقليمية لإدارتها، في ظل اقتناع بأن المرحلة المقبلة ستشهد مزيداً من الصراعات، مع تسارع الأزمات السياسية والبنيوية، التي تضرب دولها.

تضيف تلك الأوساط أن ما بدا ميلاً أميركياً وتفضيلاً لإيران الشّيعية على غالبية دول المنطقة السّنية، وصل إلى خواتيمه مع استنفاذ معظم الأهداف، التي وضعت لتطويع إيران وإجبارها على الاصطفاف في المحصلة العامة للمنطقة.

بات واضحاً أن لا مصلحة أميركية للظهور بمظهر المنحاز إلى الأقلية الشّيعية، مثلما أن من غير المنطقي الاستمرار بنفس السياسات مع الغالبية السّنية، التي تحتاج إلى جهد كبير لتصفية نفسها من أي إرث أصولي مستوطن في دولها.

ومع تسارع وتيرة الانهيار الاقتصادي في ظل تراجع أسعار النفط وانهيار أسواق الأسهم غير الأميركية، لم يعد الحديث عن تهديد إضافي لإيران جراء اختبارها صواريخ بالستية جديدة مثلا مجدياً أو ضرورياً.

فقوانين السوق ستتكفل بمواصلة سياسة العقوبات عليها، في ظل تراجع فرص الاستثمار في قطاعها النفطي ربما لسنوات طويلة، مع انعدام الحوافز للشركات الكبرى أمام سعر برميل للنفط هبط إلى أقل من 20 دولاراً.

تضيف تلك الأوساط أن واشنطن اختارت الوقوف على مسافة واحدة من إيران والسعودية، في خلافهما الذي لا يمكن تفسيره بمعزل عن الصراعات المذهبية والأيديولوجية، وعن رغبة الطرفين في الظهور بمظهر الوكيل الذي يمكن الاعتماد عليه.

وتكشف أن الملف السوري، وهو أحد أبرز ساحات الخلاف بين الطرفين، دخل عملياً تحت وصاية روسية، تعتقد واشنطن أنها الأقدر خلال هذه المرحلة على تشكيل وسائد حماية من انعكاسات الخلاف السّني - الشّيعي عموماً.

ولا تنفي تلك الأوساط ما أشيع عن اتجاه أميركي لإبقاء الأسد في السلطة ربما إلى ما بعد عام 2017، هي عمر المرحلة الانتقالية المفترضة، بناء على توصيات اجتماعات فيينا .

وبينما تعمل روسيا عسكرياً على تهيئة الجغرافية السورية إلى أشكال من مناطق النفوذ، لها كلمة الفصل فيها، تقتطع إيران حصتها أيضاً بسياسة الحديد والنار وسلاح التجويع، لترسم «كانتونها» المذهبي والسياسي والجغرافي الذي يشمل لبنان أيضاً.

هكذا يفسر انسحاب فصائل إيران العسكرية بشكل كامل من مناطق العمليات الروسية في اللاذقية وشمال حلب وصولاً الى إدلب، وهكذا يفسر الهدوء الذي تشهده الجبهة الجنوبية وصولاً إلى الأردن كحصة سعودية أساسية، في ما مناطق الشمال والشمال الشرقي من سورية مناطق عمليات متنوعة، تضع تركيا في حالة دفاع شبه دائمة عن حدودها وقلقة من «عدوها» الكردي، بينما تنظيم «داعش» الذي ضرب عاصمتها السياحية والاقتصادية سيتحول إلى قاسم مشترك بانتظار إقفال منافذه وتجفيف مصادره للقضاء عليه ولو بعد حين.