نظرت إلى ساعتي اليوم فوجدت تاريخها هو الخامس عشر من شهر يناير، ذهلت مما رأيت هل انتهى العام، لماذا غادرنا بسرعة وكأنه شهر، بالأمس كنا نناقش ماذا سنفعل هذا العام، وما منجزاتنا، وكيف السبيل إلى تحقيق طموحاتنا، كانت النفوس مملوءة بالأمل والتفاؤل، واليوم ها هي لا تدري كيف مر العام، وقد ضلت طريقها وحادت عن مسارها المرسوم أول العام المنصرم! وكنت قد عزمت على كتابة هذا المقال في بداية السنة فنسيت وتناسيت عهدي لنفسي!

Ad

نحن من قلائل البشر الذين يخططون دون النظر لحالهم، نرسم الأفكار رسما متقناً ونصوغ الكلمات بحروف من همة عالية وندونها في دفاتر الأمل، لكننا غفلنا عن أننا تائهون فكيف للتائه أن يخطط؟! لو جلس أحدنا مع نفسه جلسة مصارحة ونظر عن يمينه كيف هي أيامه التي قضاها في سنين مضت من رصيده، أتراه حقق ما يرجو ويطمح؟ هل هو في مكانه الصحيح حيث حلم ورسم وخطط؟ أم لا يزال يلقي بأسباب فشله على مجتمعه وعلى القضاء والقدر؟ وإن كان في مكانه الصحيح، وهذا نادر حدوثه، هل عنده هدف واضح لما سيكون بعد ذلك؟ أم أن حدود طاقاته وقمة أهدافه أن يكون صاحب أسرة وينجب من يدعو له بعد وفاته؟! ويكون لديه بيت ورصيد في المصرف وسيارة فاخرة؟

أمجادنا يا كرام لن تُحقق بالأحلام، فالقصور في الأحلام هي بضاعة الحمقى وثروة المجانين وأوهام الكسالى، إن أردنا أن يكون عامنا هذا مميزاً فليكن الطموح لدينا أن نكون علماء أو فقهاء أو أطباء، لنجعل سلوتنا في الكتابة ونقضي فراغنا في القراءة، ونحشو عقولنا بالإيجابية، ليترك كل منا الأنانية ونظر الأنا لذاته وليجعل حياته كلها من أجل أمته ودينه، ليبتعد كل واحد منا عن التشبه بالغرب وأخذ فضلاتهم وترك محاسنهم.

نفوسنا يا سادة كالخيل الأصيلة، فلا يعاقب أحدنا نفسه بل ليسيسها سياسة الفارس الخبير، فيكرمها إذا شدت، ويحثها إذا كسلت، ويدربها إذا فرغت، ويريحها إذا تعبت، ليجعل كل منا هذا العام عام الصعود والارتقاء، لنرفه عن أنفسنا فالنفوس إذا كلّت ملّت، ولكن ليكن شعار الترفيه عنده على قدر أهل العزم تأتي العزائم!!

قد قرأت حكمة أعجبتني كثيرا يقول قائلها "إن السفن آمن ما تكون بالمرفأ لكنها لم تصنع لذلك!! وإن الرجال آمن ما يكونون في بيوتهم ولكنهم لم يخلقوا لذلك!! فكن رباناً ولا تخش البحر".

نعم لنكن قادة أسطول سفن الإبداع في بحر التميز، نرخي حبال مراكبنا وليبحر كل واحد في ذاته يغوص فيخرج الدرر الكامنة داخله، لا نريد أن نكون كلنا كتّاباً أو أدباء، لكن نريد أن نرى متميزين في كل مجال، لا تستصغر أي أمر "فمعظم النار من مستصغر الشرر"، لنقطع حبال الكسل بسكين العمل، هيا بنا نهمّش من يجعل حياتنا هامشية بل ليتنا نطرده خارجها، وليكن في عقولنا دائما أن الهمة العالية توصل للمراتب الراقية، اقرؤوا سير الأولين وعظم بذلهم، واستشعروا جهدهم واتخذوهم قدوات، وليتنا نبدأ كلنا اليوم قراءة كتاب الشيخ عبدالفتاح أبوغدة "صفحات من صبر العلماء"، ومن كان يظن أنه قد بذل الكثير فسيشعر بعد قراءة الكتاب، وأنا أجزم هنا، أنه قزم في دنيا التضحيات!

كل عام وأنتم للخير أقرب، كل عام وهممكم تناطح الثريا، كل عام وأنتم قادة وسادة، كل عام ونفوسنا ممتلئة بالمحبة والمودة، كل عام وكسلنا للفناء أقرب، كل عام وأنتم بخير.

شوارد:

يقول الأبيوردي:

           تنكَّرَ لي دهري ولم يدرِ أنَّني

أَعِزُّ، وَأَحْداثُ الزَّمانِ تَهُونُ

           فَظَلَّ يُريني الخَطْبَ كَيْفَ اعْتداؤهُ

وَبِتُّ أُرِيهِ الصَّبْرَ كَيْفَ يَكونُ