إيران... خطوةٌ ليست كافية!
إذا كان صحيحاً وفعلاً أن مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي قد استنكر ما تعرضت له سفارة المملكة العربية السعودية في طهران، وقنصليتها في مشهد، ووصف الاعتداء عليهما بأنه يسيء إلى الإسلام، فإن هذا يعني أن الوساطة التي كان بدأها رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف، قبل أيام قليلة، حققت بعض النجاح وبعض التقدم، لكن مع ذلك فإنه مبكرٌ جداً الذهاب بعيداً والقول إن الطرق بين الرياض وطهران أصبحت سالكة وآمنة، إذْ إنه بالإمكان اعتبار أن هذا المؤشر بمثابة بداية توجه إيجابي، لكن استكماله يحتاج إلى جهود مضنية فعلية وكثيرة.إنَّ المؤكد أن المملكة العربية السعودية أبلغت رئيس الوزراء الباكستاني, عندما زار الرياض وأبلغ المسؤولين السعوديين برغبته في التوسط بين هذين البلدين اللذين تربطهما علاقات قديمة ببلده, بأنها تريد خطوة حُسن نوايا، لتصبح هناك إمكانية للوساطة التي يعرضها، فكان هذا التصريح الآنف الذكر الإيجابي جداً، والذي بالإمكان البناء عليه لإنهاء هذا التوتر، الذي بقي متصاعداً بين دولتين من المفترض أنهما "شقيقتان" تربطهما مصالح مشتركة كثيرة.
إنه لا شك في أنَّ هذا التصريح الذي نُسب إلى السيد علي خامنئي مهمٌ جداً، وبالإمكان البناء عليه، لكن هذا يحتاج إلى قيام طهران بالعديد من خطوات بناء الثقة، ووضع حدٍّ للتوترات الحالية، وأولى هذه الخطوات الانسحاب من الأزمة اليمنية المتفجرة، ثم إيقاف تدخلها السافر في العراق وسورية ولبنان، وإنهاء تهديداتها للبحرين وبعض دول الخليج العربي الأخرى. وهنا فإن المعروف أن توتر العلاقات بين طهران والرياض لم يبدأ بحادثة البعثات الدبلوماسية السعودية الآنفة الذكر، حتى يمكن اعتبار تصريح السيد علي خامنئي هذا "اعتذاراً" مقبولاً ورفع شعار: "عفا الله عمَّا سلف"، ويبادر البلدان إلى فتح صفحة جديدة كأن شيئاً لم يكن، والبدء من نقطة الصفر، فإيران لديها الآن جيوش وتشكيلات طائفية تجاوز عددها الثلاثين تشكيلاً في العراق وسورية، وهناك الآن هذه الحرب الطاحنة في اليمن، التي لولا التدخل الإيراني فلما كانت بالأساس، ثم فوق هذا كله، هناك تحرُّش إيران المستمر بالعديد من دول الخليج العربية منذ عام 1979. وحقيقة قبل ذلك عندما احتل الشاه السابق محمد رضا بهلوي الجزر الإماراتية الثلاث: "أبوموسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى". إنَّ المؤكد أن المملكة العربية السعودية راغبة في وضع حدٍّ لكل هذه التوترات اليوم قبل الغد، لكن هذا يحتاج إلى رغبة إيرانية مماثلة، فالمثل يقول: "يدٌ واحدة لا تصفق"، وهذا يعني أن المطلوب من هذه الدولة، التي من المفترض أنها "شقيقة"، ألَّا تكتفي بتصريح حسن النوايا الذي أطلقه السيد علي خامنئي، بلْ تتبعه بالعديد من خطوات تعزيز الثقة، وأن تبادر إلى وضع حدٍّ لتدخلها السافر والشائن في الشؤون الداخلية العربية. لقد أنْفقت إيران على "وهْمِ" الحصول على القنبلة النووية نحو 270 ملياراً من الدولارات، التي ذهبت سدى وهباءً منثوراً، لذلك فإنها, في ظل هذا الهبوط المرعب في أسعار النفط, تواجه وهي ستواجه أزمة بل أزمات اقتصادية طاحنة، مما يملي عليها أن تبادر بدون أي تأخير إلى "لمْلمَةِ" أوضاعها، والتخلُّص من حالة الإنهاك هذه، التي سببها تطلعها وراء حدودها، وتدخلها كل هذا التدخل العسكري السافر في شؤون العديد من الدول العربية القريبة والبعيدة.