بعد سنوات طويلة من العمل في مجال صناعة الأفلام الوثائقية، انطلقت المخرجة الفلسطينية مي المصري بتجربتها الأولى الروائية {3000 ليلة}، حيث تكشف عن أقصى الظروف الحياتية التي تواجهها الأسيرات في السجون والمعتقلات.

Ad

في حوارها مع {الجريدة}، تؤكد مي أن الفيلم نسيج حي من الواقع، حيث انخرطت بحياة الأسيرات والمحررات لترصد التجربة الأكثر صعوبة بينهن عندما تضع امرأة طفلها الأول داخل سجون الاحتلال، ومنها تنطلق المخرجة إلى يوميات الأم وطفلها وسط قصص الأسيرات  كاشفة عن قسوة الحياة داخل السجن.

ركزت في فيلم {3000 ليلة} على المرأة ونضالها في المجتمع الفلسطيني، هل جاء تحيزك للفكرة كونك امرأة؟

لا أنكر تحيزي للنساء عموماً، لكن الفيلم مأخوذ عن قصة حقيقية، ومن هنا جاءت فكرته، لا سيما أننا لم نرَ أفلاماً جسدت حياة الأسيرات داخل سجون الاحتلال والمعتقلات، وسلطت الضوء على تجربة النساء في السجون. وفي ظني، الفيلم بمثابة رد اعتبار إلى المرأة وتضامن معها داخل السجن.

الفيلم عملك الروائي الأول، حدثينا عن تجربة الفيلم وصداها؟

بدأ الأمر معي في منتصف الثمانينيات، حيث تعرفت إلى أسيرات ومحررات فلسطينيات أثناء الانتفاضة الأولى لفلسطين، وقررت أن يحمل فيلمي الروائي الأول قصة تلك المناضلات خلف أسوار السجون. استمرت زيارتي أنا وطاقم الفيلم للأسيرات، ما أثقل تجربتي كمخرجة وأعطى عمقاً درامياً لأداء الأبطال. وقد جسد الفيلم قصة حياة أسيرة تعيش أقسى الظروف في سجنها حيث وضعت طفلها الأول. من هنا، تتوالى رحلة من مشقات وعذابات تلقاها هي وطفلها الذي فقد طفولته داخل أسوار المعتقل، ذلك عبر تجربة حرصت فيها على إبراز الجانب الإنساني.

ما الصعوبات التي واجهتك أثناء تصويرك الفيلم؟

واجهنا كفريق عمل صعوبات في إخراج تصاريح أمنية للتصوير داخل سجن عسكري حقيقي في الأردن في صحراء الزرقا، حيث تم تصوير الفيلم بالكامل. السجن غير مستعمل، وساعدتنا في التصوير داخله الهيئة الملكية للأفلام. ورغم ما واجهناه من صعوبات إلا أنها كانت تجربة رائعة أعطت الفيلم مصداقية وأثقلت أداء المشاركين. أما الصعوبة الحقيقية فكانت في تمويل الفيلم، خصوصاً أن هذه الأنواع من الأفلام لا تحظى بدعم مادي عربي.

أصررت في العمل على ظهور طفل عمره لا يتجاوز السنتين، رغم أن معظم المخرجين يتجنب التعامل مع الأطفال؟ كيف كانت تجربتك؟

كانت رائعة، لكنها ليست تجربتي الأولى في التعامل مع هذه الفئة العمرية، فقد أخرجت أفلاماً وثائقية عدة كان الأطفال أبطالها، ويكمن الاختلاف في التجربة هذه أن الفيلم روائي. عموماً، التعاون مع طفل لم يتجاوز العامين يتعامل بفطرته يدخل إلى نفسي البهجة والشعور بالنجاح. لكن في الوقت نفسه هو سلاح ذو حدين، إذ يصعب التحكم في ردود فعله، لكنه حينما يقرر الاندماج بالجو المحيط من أشخاص وكاميرات وإضاءة يعطي أصدق اللقطات.

جسّد الفيلم قصة حقيقية لامرأة فلسطينية، كيف تعكس السينما التجارب الحقيقية في الحياة، وهل ترين أن ثمة تجارب كثيرة في الوطن العربي مأخوذة من واقع حقيقي؟

بعيداً عن التعميم، ثمة تجارب كثيرة مميزة لكنها تقتصر على السينما المستقلة، حيث تجد المئات من الأفلام التي تحتوي على أبعاد اجتماعية ونفسية واستطاعت التعبير عنها بشكل فني عال يوازي الأفلام التجارية. لكن ما يعوق انتشار الأفلام المستقلة هو غياب مصادر الدعم لها، سواء في الإنتاج أو التوزيع، وذلك يعتبر حصاراً دائماً على هذه الصناعة، سببه نقص الوعي الثقافي والسياسي، رغم أن السينما هي رأس الحربة التي ثبت تأثيرها القوي في إبراز الإنسان العربي من خلال كشف حضارته وتغيير الصورة النمطية والسلبية السائدة عنه عموماً. ولكن ما زالت محاولات الكفاح مستمرة لأجل سينما تعّبر عن الواقع.

ما الفارق بين تجاربك الوثائقية السابقة وصناعة الأفلام الروائية؟

الفارق كبير. اعتبر {3000 ليلة} تجربة استمرارية وتحمل تفاعلاً بين الأسلوبين، رغم التداخل القوي بين المدرستين. ولكن عموماً، يستلزم العمل في الأفلام الروائية جهداً وتحضيراً وكتابة لأوقات طويلة. كذلك ثمة اختلاف كبير بين بطل الفيلم الوثائقي وبطل الروائي، فالأول يحكي قصة بشكل مباشر على عكس الروائي الذي يعتمد حواراً عفوياً غير مباشر.

نال الفيلم جوائز عدة من دول أوروبية مختلفة حدثينا عن ذلك، وهل تم تكريمه في أي مهرجان عربي؟

نال الفيلم أربع جوائز لجنة التحكيم في لوس أنجليس، وجائزة الجمهور في إسبانيا وفرنسا، ولجنة التحكيم في سويسرا في مهرجان حقوق الإنسان، وعرض عالمياً في مهرجانات أوروبية من ضمنها مهرجان ترونتو. ولكن كانت أكثر الجوائز إسعاداً لي هي جوائز الجمهور، فهي بالنسبة إلي أهم من رأي النقاد.

يعرض الفيلم راهناً في مهرجان تطوان بالمغرب، بعد عرضه أكثر من مرة في مهرجان دبي، وفي المهرجان العربي الأوروبي بالأقصر كان فيلم الافتتاح حيث قال لي المصريون الذين شاهدوا العرض أنه أعادهم إلى الضمير وذكرهم بالقضية الفلسطينية التي وجدت تهميشا ملحوظاً في ظل زخم الحوادث في المنطقة العربية. ومن المنتظر عرضه الأسبوع الجاري في الكويت، وفي مصر يوم 18 من أبريل الجاري.

هل تستعدين لكتابة فيلم قريباً؟

نعم. بدأت في كتابة فيلم روائي، وأسعى بكل اجتهاد إلى التعلم من التجربة السابقة والأولى. لن أكشف عن التفاصيل، لكن بإمكاني القول إن الفيلم يخاطب شرائح عدة في الوطن العربي، وأتمنى أن يطوف في بلدان أوروبية وعربية عدة.