حزب الله من عدو لإسرائيل... إلى غاية صهيونية!
ليس مستغرباً أن تندفع الأوساط الإسرائيلية لنقد قرار مجلس التعاون لدول الخليج العربي باعتبار حزب الله منظمة إرهابية ومصادقة وزراء الداخلية العرب عليه، فالصحافة الإسرائيلية اعتبرته قراراً سلبياً وغير دقيق، فوصفت صحيفة معاريف الإسرائيلية القرار بأنه غير أخلاقي، واعتبرت زميلتها "هاآرتس" حزب الله جيشاً نظامياً لا يمكن وصمه بالإرهاب! في حين اعتبر المحلل العسكري الإسرائيلي الشهير والمقرب من الأوساط الرسمية في تل أبيب ألون بن دافيد في زاويته الصحفية أن حزب الله اللبناني حزب عدواني وليس إرهابياً. تصوروا أن الإسرائيليين يدافعون عن حزب الله، وهذا كما قلت في البداية ليس مستغرباً، فهم أصحاب مشروع صهيوني استيطاني يعتمد على احتلال الأرض وتغيير ديموغرافيتها وإنشاء كيان جديد عليها، لذا فإن خلق دول بجانبها تمثل جماعات إثنية ومذهبية متخاصمة ومتنازعة فيما بينها، وغير مستقرة، تكون إسرائيل بجانبها الأقوى بقدراتها الذاتية وعلاقاتها الدولية، وتفتت القوى العربية السنية الكبرى التي تمثل التحدي الوجودي الجدي للكيان العبري هي غاية إسرائيلية، ومن سيقوم بإنجاز ذلك لها أفضل من إيران وذراعها اللبناني حزب الله.
دهاقنة وخبراء إسرائيل الدارسون والمطلعون على جميع تفاصيل ودقائق العالم الإسلامي والعربي من تركيبات عرقية ومذهبية، يعلمون تماماً أن شعارات إيران المتعلقة بتحرير فلسطين هي "مسرحية" و"عدة شغل" للمشروع الإيراني الفارسي المذهبي، ويدركون ما مدى قدسية وأهمية مدينة القدس في المذهب الجعفري مقارنة ببقية المراقد والمقدسات، ويعلمون أن الخلاف الإسرائيلي مع طهران على الملف النووي الإيراني هو خلاف جانبي وليس جوهرياً في نظرة تل أبيب لمستقبل علاقاتها مع طهران، والشاهد على ذلك قضية بيع الأسلحة الإسرائيلية لإيران (إيران كونترا 1985-1987). المؤكد اليوم أن حزب الله يقدم إلى إسرائيل أكبر خدمة لمشروعها التاريخي الكبير، بتأمين خاصرتها الطرية عبر تحييد الشام (سورية) وتفتتيها لأن حدود إسرائيل مع مصر يحميها عازل طبيعي كبير متمثل في صحراء سيناء، كما أن حزب الله يحقق لتل أبيب ما لم تحلم به ولن تخسر نقطة دم ولا مالاً لتحقيقه عبر تبديد طاقات جيرانها العرب في حرب مذهبية كبرى ستؤدي إلى تكون دويلات (سنية، علوية، درزية، كردية... إلخ) متناحرة ستكون إسرائيل بينها الأقوى، التي سيطلب بعضهم ودها لدعمه تجاه خصمه كما يفعل الأكراد بشكل واضح الآن. فلولا حزب الله وتدخله مع الميليشيات الشيعية الأخرى من العراق لحُسمت القضية السورية خلال شهور بعد قيام الثورة (2011) وتسلمت أغلبية الجيش السوري الوطني الذي انشق عن النظام الحكم، وبقيت الدولة السورية دون دمار وفوضى مهدت البيئة المنفلتة لنشوء الحركات المتطرفة مثل النصرة وداعش وخلافها، ولانبثقت دولة سورية حرة ديمقراطية، وهو أسوأ سيناريو للمشروع الإسرائيلي في المنطقة. أما "همروجة" مقاومة حزب الله لإسرائيل وبقية تلك الأسطوانة، فالدهاء والمكر الإسرائيليان لا تنطوي عليهما هذه "الأفلام"، لأن تل أبيب تعلم أن المشروع الفارسي– المذهبي في لبنان استخدم هذه القضية كـ"جواز عبور" لوجوده وتصريح أبدي لسلاحه غير الشرعي في لبنان، وأن هذا "الفيلم" انتهى بعد حرب 2006 الذي أعطت فيه إسرائيل درساً لهم عبر تدمير الضاحية الجنوبية لبيروت وجنوب لبنان، وأقر الحزب صاغراً بوجود قوات الفصل الأممية، وتسلم الحزب فيما بعد مقاليد حكم لبنان بعد 7 أيار (مايو) 2008 وبعد استسلام خصومه اللبنانيين لهُ بحضور راعيه الإيراني في الدوحة ليصبح لبنان قاعدة إيرانية تستخدم بالفعل اليوم تعبوياً ولوجستياً في الحرب على سورية. ومن تلك القناعة، يعلم الإسرائيليون أن حزب الله وراعيه الإيراني لن يفكرا في مهاجمة إسرائيل حتى لا تدمر الغنيمة التي حصلا عليها (لبنان)، وإن كانت هناك محاولات لتحسين المواقع عبر محاولة تهريب سلاح نوعي بين فترة وأخرى تكتشفه إسرائيل فتقصفه أو وجود لضابط إيراني رفيع قرب الحدود الإسرائيلية فتغتاله، ولكن العناوين الرئيسية في اقتسام النفوذ الإيراني– الإسرائيلي للشرق العربي متفاهم عليها ضمنياً بين الطرفين.لذا فإن وجود وضمان بقاء حزب الله ولبنان معافى وهادئاً هو غاية للمشروع الصهيوني لتكريس الاقتتال الإسلامي المذهبي (حول لبنان لا داخله)، والوقود المطلوب أن يكون مشتعلاً لحرق الأمة والعرب تحديداً حتى ينطلق المشروع الصهيوني مرة أخرى في يوم ما لاستكمال مشواره إلى الفرات.***الجماعة في المغرب العربي من أحزاب وتنظيمات ونقابات أعتقد أنهم مغيبون عما يجري في المشرق العربي من أحداث ومشاريع خبيثة مذهبية وعرقية برعاية إيرانية تهدف إلى تدمير الأمة العربية، وكلما سمعوا كلمات "مقاومة، تحرير القدس، الأمبريالية" صدقوها ومشوا خلفها، وأبناؤهم لديهم مشاكل في الاندماج في دول المهجر فانخرطوا في الفكر المتطرف، فكانوا وقوداً للتنظيمات الإرهابية (داعش والنصرة)، التي دمرت الثورة السورية وأساءت لسمعة الإسلام بشدة في أوروبا، واليوم يقف بعضهم من القوميين العرب والناصريين مع حزب الله الذي ينفذ المشروع الفارسي– المذهبي، فما العمل معهم؟ فهل نحن مقصرون مع أهل المغرب العربي في التواصل وتبيان الحقائق لهم؟ أم أن هناك في أنفسهم شيئاً تجاه أشقائهم في الخليج العربي لا يمكن معالجته؟!