يرى الكاتب سعيد سالم في كتابه «الإسكندرية قبل ثورة 25 يناير... طوفان من الإبداع المتميز» أن الأعوام الأخيرة السابقة كانت مختلفة كل الاختلاف عن كل الأعوام الثقافية في الإسكندرية، حتى أنه من الممكن أن نطلق عليها أعوام الانفجار الإبداعي، روائياً وقصصياً وشعرياً، ففيها توالى صدور الروايات والمجموعات القصصية والدواوين الشعرية في تتابع مستمر، وبسرعة غير مسبوقة خلال العامين 2009 و2010.

Ad

تميز الكتاب ثلاث ظواهر، الأولى هي أن الطفرة الثقافية كانت في معظمها شبابية، وكشفت عن مواهب على درجة عالية من الوعي والثقافة، كذلك كانت سماتها السائدة بين أعمال معظم كتابها مزيجاً من السخط الشديد على الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية السائدة، مع شعور عام باليأس والإحباط والعجز عن الإصلاح أو التغيير، ذلك باستخدام الرمز في غالبية الحالات للحض على الثورة على هذا الوضع المتدني.

أما الظاهرة الثانية للطفرة الثقافية فهي أنها حافلة بإنتاج المرأة من مختلف الأجيال وليس الشابات فحسب.

والظاهرة الثالثة أن ثمة مبدعين ومبدعات انضموا إلى قافلة الكتاب لأول مرة بعد تجاوزهم الستين ليقدموا أعمالاً جديرة بالانتباه، على درجة عالية من الجودة الفنية، لا تقل في ذلك عن أعمال كثير من الكتاب القدامى المحترفين، ويبدو أنهم كانوا يحبسون طاقاتهم الإبداعية حتى يتفرغوا لإطلاقها بعد أن خلصهم التقاعد من أعبائهم الوظيفية الروتينية المرهقة.

ويضرب الكاتب أمثلة متنوعة تعبر بحق عن تلك الظواهر الثلاث السابقة، وبغض النظر عن التكنيك الفني المتنوع والمائل إلى الحداثة في معظم الأعمال المشار إليها، فإن هذا التيار الساخط الغاضب قد أفرز أعمالاً متباينة الشكل والمضمون والقيمة لكاتبات وكتاب من مختلف الأجيال، منها رواية {زيوس يجب أن يموت} لأحمد الملواني، ومجموعة {الأشياء والأشخاص والأماكن} لعلية أبو شنب، ورواية {كله تمام يفندم} لرشاد بلال، ومجموعة {في انتظار القادم} لمحمد عطية، ورواية {وشوشات الودع} لمنى عارف، ورواية {إيقاع الموج والزبد} لآمال الشاذلي، ورواية {حاوي عروس} لمنير عتيبة، ومجموعة {قراءة في أشواق قديمة} لسمير المنزلاوي، ورواية {يا محني ديل العصفورة} للشربيني المهندس، ورواية {منامة الشيخ} لممدوح عبد الستار، ومجموعة {حدود ضيقة} ليحيى فضل سليم، وغيرهم.

«زيوس يجب أن يموت»

ويرى الكاتب أن أبرز وأهم تلك الأعمال رواية {زيوس يجب أن يموت} لأحمد الملواني، حيث قدم الملواني رواية رمزية على مستويين من الحكي، يتناول الأول مأساة المثقف المصري ومواقفه تجاه تسلط الحكام وإجرامهم، والثاني يتناول مستوى الفعل الإيجابي للمقاومة والإصرار والعناد والتحدي لإحداث التغيير المطلوب، وهو ما حدث تماماً يوم 25 يناير 2011 العظيم، وما أعقبه من تداعيات ثورية على مستوى الشعوب العربية بأسرها، ما زالت تتوالى حتى اليوم. أما الظاهرة الثانية فهي ظهور وجوه أدبية نسائية موهوبة مثل انتصار عبد المنعم وإيمان السباعي وغيرهما، جنباً إلى جنب مع تطور إيجابي ملموس في أعمال كاتبات ظهرت لهن أعمال سابقاً، مثل حنان سعيد وآمال الشاذلي وغيرهما، فضلاً عن ظهور أعمال جيدة القيمة لكاتبات تتراوح أعمارهن بين العقدين الثالث والخامس.

وتمثل الظاهرة الثالثة من قدموا أعمالاً روائية وقصصية في سن متأخرة، مقتحمين عالم النشر إما على استحياء وإما بجرأة فائقة بنية الاستمرار، وإما على سبيل التجربة وحب الاستطلاع وترقب النتائج، ويذكر الكاتب من هؤلاء الدكتور عبد الباري خطاب، وهو دكتور في الاقتصاد أصدر ثلاث روايات متتابعة خلال فترة زمنية قصيرة بعد إحالته إلى التقاعد، وسراج النيل الصاوي الذي أصدر ثلاثيته الروائية المتتابعة تحت عنوان {حكايات ضابط في الأرياف}، كذلك قدم القاص علي ياسين مجموعته القصصية المتميزة {خطوط داكنة}، وقدم عبد العاطي فليفل رواية {للجبل وجه آخر}.