تنتهي الاثنين المقبل، المهلة التي التزم بها رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي لتغيير وزرائه بشكل شامل، استجابة لضغوط حركة شعبية مطالبة بالإصلاح تُوجت باعتصام غير مسبوق نظمه زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر أمام مقر الحكومة في بغداد، ثم تطورت حين دخل الصدر بنفسه إلى «المنطقة الخضراء» ليعتصم داخل خيمة بضعة أيام.

Ad

ويسود اعتقاد بأن العبادي لا يمتلك خيارات كثيرة، سوى أن يخضع لضغوطات الصدر، لكن المصادر تتداول في بغداد أن هناك متغيرات داخلية وتدخلات خارجية قد تمنع رئيس الحكومة من الالتزام بوعده، ما يرجح استئناف الاعتصامات، وقد تكون مخاطرة ربما تنتهي بخسارة حزب «الدعوة» منصب رئيس الحكومة الذي يحتكره منذ نحو 12 عاماً.

وبغض النظر عن اللقاءات المكوكية هذه الأيام والتسريبات المتناقضة الصادرة عنها والتي تتغير بنحو متواصل، يمكن الحديث عن ثلاثة اختبارات حساسة يتعرض لها الصدر في هذه التجربة، وهو يلوذ بصمت شبه مطبق منذ 31 مارس حين غادر بغداد عائداً إلى النجف.

الأول هو علاقة الصدر بالمجلس الأعلى بزعامة عمار الحكيم، فخلال الأعوام الخمسة الماضية بنيت المواقف الأساسية للصدر، بناء على تحالفه العميق مع الحكيم ضد حزب الدعوة، ولتنظيم نفوذ إيران وتقييده، إلا أن الصدر يبدو مندفعاً وحده هذه المرة، منادياً بحكومة تكنوقراط من خارج الأحزاب تحت شعار أنها ستخرج البلاد من مأزق سياسي واقتصادي عميق، مع قبول الصدر أن يبقى العبادي رئيساً للوزراء، لكن الحكيم يتحفظ عن هذه الصيغة كي لا يتضخم حزب الدعوة أكثر، وبدأ يتحدث علانية عن ضرورة تغيير العبادي نفسه أو إبقاء التعديل الوزاري جزئياً ليبقى هناك تمثيل حزبي.

لكن البعض يؤكد أن هناك تنسيقاً بين الصدر والحكيم سيجعلهما يعيدان اتصالاتهما ثانية ويوحدان المواقف، إذ لا يمتلكان تحالفاً بديلاً عن تحالفهما.

أما الاختبار الثاني أمام الصدر فهو العلاقة مع الأكراد، إذ استند الزعيم الشيعي إلى تفاهمه مع أربيل لصوغ كثير من المواقف القوية، وهذا معرض للخطر اليوم، فالأكراد يشعرون بأن التعديل الوزاري الشامل و»توزير» تكنوقراط غير حزبيين، سيعني طردهم من الحياة السياسية في بغداد، لذلك يطالبون باستثناء وزرائهم من التغيير، أي حماية المحاصصة القومية والاكتفاء بإنهاء المحاصصة المذهبية والدينية داخل الوزراء العرب فحسب. ومن الطبيعي أن الصدر لن يوافق على هذا أبداً، ما قد يعني نوعاً من المواجهة وتخلخل التوافق السياسي مع حليف مهم.

أما أخطر التحديات فهو المعلومات المتواترة بشأن دخول أميركا على الخط، فمبعوث واشنطن بريت ماكغورك يتنقل بين بغداد وأربيل منذ يومين، وسط شائعات تلاحقه بأنه قدم دعماً للعبادي مقابل أن يعود الأخير ليتفاهم مع الأحزاب، خصوصاً الكردية، ولا ينفرد بالتعديل الوزاري، ما يعني أن الأحزاب ستتمسك بحصصها في الحكومة، والجميع ينتظر زيارة وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى بغداد، وإذا صدقت هذه التسريبات فإن الصدر سيكون محرجاً أمام جمهوره، إذ سيبدو أن مشروعه للإصلاح تعرض للإفشال على يد أميركا، التي يفتخر الصدر بأنه خاض معها مواجهة مسلحة حتى عام 2007، وآخر ما يحتاج إليه الصدر الآن هو خوض مواجهة كلامية «فوق العادة» مع واشنطن قد تتطور إلى خطوات محرجة من الجانبين.

وتعني هذه التحديات الثلاثة الكثير لتحالف الصدر والحكيم المتقارب مع الأكراد وجزء من السنة، فهذا المعسكر المقرب من مرجعية النجف الدينية استطاع أن يعارض رئيس الحكومة السابق نوري المالكي ويخوض مواجهات متواصلة مع طهران في عهد العبادي، بفضل توافق سياسي داخلي ودولي بالحد الأدنى، وإذا تفكك هذا «المستوى الأدنى» من التفاهمات، فسيكون هدية كبيرة إلى كل الأجنحة المتشددة.