«القرقور» الحكومي الذكي!
حالة الكثير من التيارات السياسية والمكونات الاجتماعية الكويتية تشبه كثيراً الأسماك غالية الثمن كالهامور والنقرور والسبيطي، وهي تضرب الأخماس بالأسداس في "قرقور" الحكومة التي نجحت باقتدار في صيدها جميعاً في الفخ نفسه.
"القرقور" آلة صيد للأسماك الكبيرة، وهو عبارة عن شبكة كروية الشكل لها فتحات جانبية مخروطية، حيث إن قُطر هذه الفتحات يكون واسعاً من الخارج وصغيراً من داخل الشبكة، فيدخل السمك خلالها بسهولة ليجد نفسه حبيساً في جوف "القرقور" ومن المستحيل خروجه إلا بيد الصياد.هذه الآلة البدائية من إبداعات أهل الخليج في صيد الأسماك المهمة التي غالباً ما تكون عصية على وسائل الصيد الأخرى، ورغم بساطة فكرة "القرقور" فإنها في غاية الذكاء والفطنة، فالجانب الذكي هو من صنع الإنسان أما السمك فيدخل "القرقور" إما بسبب غبائه أو للمغريات التي وضعت داخل هذه الشبكة!حالة الكثير من التيارات السياسية والمكونات الاجتماعية الكويتية تشبه كثيراً الأسماك غالية الثمن كالهامور والنقرور والسبيطي، وهي تضرب الأخماس بالأسداس في "قرقور" الحكومة التي نجحت باقتدار في صيدها جميعاً في الفخ نفسه.كل مكون مجتمعي كويتي صار يلوذ بنفسه في حركة تائهة وفي الشبكة نفسها مع المكونات الأخرى، وهذه الأسماك السياسية لا حول لها ولا قوة في إنقاذ بعضها بعضا، والوحيد الذي بيده مفتاح نجاتها هو الصياد الحكومي! التنظيمات الدينية وخاصة جماعة الإخوان المسلمين تم قطع الماء والكهرباء والتمويل عنها سواءً من خلال الاستحواذ على شركاتها المالية الكبرى مثل بيت التمويل ودار الاستثمار، أو استبعادها من المناصب القيادية العليا والوسطى في الدولة.القبائل أو عدد مهم منها باتت تعيش هاجس الخوف من تهمة ازدواجية الجنسية، ومن ثم سحب الجنسية الكويتية من أبنائها، وبدأ الخناق يزيد عليها بعد إعلان وزارة الداخلية نيتها فرض البصمة الوراثية والتنسيق مع الدول المجاورة لاصطياد المزدوجين.العوائل الحضرية أو بعضها خصوصاً أصحاب المواقف السياسية المعارضة تم استبعادها بشكل ملحوظ عن المناقصات الكبيرة، حتى عن الحقائب الوزارية التي تعتبر بوابة المشاريع الكبيرة، ومن ثم النفوذ السياسي والاجتماعي.الشيعة من جانبهم تحولوا في نظر الحكومة إلى طابور خامس وصاروا يتهمون في ولائهم ومواطنتهم وباتوا في دهاليز الملاحقات القانونية وأروقة القضاء، وأصبح الإعلام مسلطاً عليهم بشكل سلبي ومنظم.هذه الفئات المتنوعة كانت خلال مراحل زمنية مختلفة حليفة إما تكتيكيا أو استراتيجيا للسلطة، واستخدمت لضرب شرائح أخرى بشكل مدروس وصريح، ولذلك فإن أسرارها ونقاط قوتها وضعفها مكشوفة تماماً عند الحكومة، فصارت قادرة على استدراجها وصيدها بسهولة متى ما أرادت أو انتهت صلاحيتها الزمنية.معضلة هذه الفئات فيما بينها أنها كانت بمثابة الفخار الذي كسّر بعضه بعضا، وانقطعت بالتالي كل خطوط الثقة والتفاهم والتنسيق فيما بينها، وبات الخيار الوحيد لكل منها محاولة التودد من جديد للحكومة تحت عنوان المصالحة، وهذه المصالحة لم تعد قائمة على متطلبات سياسية ووطنية في مجال الإصلاحات، ولكن من أجل مشاكلها الخاصة وما يتعلق بمصالحها البسيطة المحدودة فقط، ولذا لا نستبعد أن ترفع الكثير من هذه التيارات راية السمع والطاعة لكل ما فعلته الحكومة من تغييرات سياسية كانت مرفوضة قبل فترة على نطاق شعبي واسع، بل قد تتعهد بكل سرور بالمشاركة في ضرب الفئات الأخرى من أجل الرضا الحكومي، فيا لذكاء الحكومة ويا لتعاسة التيارات السياسية!