أسطوانة محدودي الدخل المشروخة
منذ أن طفت على الساحة أزمة هبوط أسعار النفط التي انعكست بدورها على الاقتصاد الكويتي، وظهر تأثيرها جلياً في عجز الميزانية، بدأت الحكومة بالحديث عن رفع الدعوم من خلال تصريحات متخبطة ومتناقضة في أحيان كثيرة، وصدّع المسؤولون على مدار الأشهر الماضية رؤوسنا بأسطوانة محدودي الدخل المشروخة، وأن إجراءات التقشف لن تمسّ هذه الفئة التي لم تضع لها الحكومة تعريفاً دقيقاً، وتركتها للاجتهادات وتباين الآراء حولها، لتكشف سياسة الحكومة في ملف ترشيد الدعوم جملة من الاختلالات تُشعر الكثيرين بقلق حقيقي إزاء الانعكاسات السلبية المحتملة على المواطنين، خصوصاً أن أغلبهم من موظفي الدولة وليس لديهم دخل آخر غير رواتبهم.وتصريحات وزير المالية باعتماد مبلغ 1500 دينار كمعيار للأسرة المحدودة الدخل دون النظر إلى عدد أفرادها والغلاء المعيشي المستمر، تثير العديد من التساؤلات، فهل صاحب الأسرة الذي يعول زوجة وأبناء ويتحمل مصاريف تعليم بعضهم ويرعى والديه وربما إخوته ويتقاضى 2000 دينار شهرياً يخرج من تحت مظلة محدودي الدخل ويعتبر من الأغنياء في الوقت الذي تصنف فيه مواطنة تتقاضى أكثر من 1000 دينار كراتب شهري وغير متزوجة ولديها سكن مع عائلتها ضمن فئة الدخل المحدود؟ وهل يمكن مساواة متقاعد يتقاضى راتباً ولديه وظيفة في القطاع الخاص أو شركة تجارية مع شاب يسعى إلى تكوين مستقبله ولديه العديد من الالتزامات المالية لتأسيس عش الزوجية؟ وماذا عن بعض الوافدين الذين يتقاضون رواتب لا تغني ولا تسمن من جوع؟ لذا فإن الحديث عن محدودي الدخل دون وجود تعريف عادل مبني على دراسة علمية وإحصاءات واقعية يعني أن هناك ظلماً كبيراً سيمس الكثيرين خلال المرحلة المقبلة.
كما أنه وفقاً لهذا التصنيف الذي وضعته الحكومة فإن 12 في المئة فقط من الكويتيين هم من محدودي الدخل، وبالتالي فإن القرارات والإجراءات التقشفية المرتقبة ستطول 88 في المئة من الأسر الكويتية في ظل ضمانات فضفاضة وغير مطمئنة، حيث إن أغلب تصريحات مسؤولي الحكومة عن هذا الملف تفوح منها رائحة غياب الشفافية والمصداقية بغرض تهدئة الرأي العام وتهيئته لرفع الدعوم ورفع الأسعار، حتى تصبح واقعاً بغض النظر عن مراعاة ذلك للعدالة الاجتماعية من عدمها، وبالطبع سيكون محدودو الدخل الذين نسبتهم بالتأكيد أكبر من التي حددتها الحكومة، هم الضحية الأولى لرفع الدعوم التي ستشمل الكهرباء والماء والبنزين والعلاج بالخارج مروراً برسوم إصدار البطاقة المدنية وغيرها.وفي حقيقة الأمر فإن الحكومة مطالبة بأن تعيد توصيف فئة محدودي الدخل بشكل علمي مدروس حتى تستطيع أن تحقق العدالة الاجتماعية التي بدونها ستتفاقم المشكلات، ولن ينهض الوطن أو يحقق أهدافه التنموية، كما أن تعنت الحكومة وتعاطيها مع هذا الملف الخطير بهذا النهج والتخبط سيؤدي إلى إحداث تأثير سلبي كبير على المستوى المعيشي للمواطنين والوافدين، وسينجم عنه احتقان يمس الاستقرار الذي ننعم به الآن، فرفع الدعوم عن بعض الخدمات الحيوية بالتأكيد سيقابله موجة من ارتفاع الأسعار لجميع السلع المعيشية، ولن تستطيع الحكومة السيطرة على الوضع في ظل التجارب السابقة التي أثبتت فيها ضعف قدرتها على ضبط الأسواق، وكبح جماح التجار الجشعين الذين يريدون التكسب السريع على حساب المستهلكين المغلوبين على أمرهم.