تحولت صور الدخان الأسود المتصاعد من تجمع كبير من الأبينة الأسمنتية إلى رمز مؤلم ومألوف للحرب المتواصلة في سورية والعراق، لذلك قد لا تكون الصدمة كبيرة على الأرجح، عندما تظهر هذه الصور اليوم في مدن تركيا، التي تشكل عضواً في حلف شمال الأطلسي وبلداً ظننا أنه آخر واحات الاستقرار والنظام في منطقة كثيرة الاضطرابات، لكن حكومة رجب طيب أردوغان، في ظل اهتمام دولي لا يُذكر، تشن حملة عسكرية شاملة ضد المقاتلين الأكراد، فقتلت الآلاف وهجرت مئات الآلاف، وحولت أجزاء من بلدة كبيرة عدة إلى دمار.

Ad

يجب ألا نخلط بين الأكراد المحاصرين وأكراد شمال العراق أو شمال سورية، حيث تُقاتل القوات الكردية، بدعم من الولايات المتحدة وغيرها من الحكومات الغربية، داعش وتقتطع مناطق مستقلة تابعة لها. يستهدف إردوغان الأكراد الذين يعيشون في الجزء الجنوبي الشرقي من البلد، وفي عام 2002 تعهد عند استلامه زمام السلطة بإنهاء قمع هذه الأقلية الطويل الأمد، فعقد اتفاق إطلاق نار وبدأ محادثات مع حزب العمال الكردستاني، وهو مجموعة متمردة مسلحة.

لكن فترة التهدئة هذه انتهت الصيف الماضي بعيد فوز حزب سياسي تركي يدعمه الأكراد، حزب الشعوب الديمقراطي، بأكثر من 10% من الأصوات في الانتخابات البرلمانية، حارماً بالتالي حزب إردوغان الحاكم من الفوز بالأكثرية، لكن تجمعاً سياسياً كردياً تعرض للقصف على يد "داعش" على ما يبدو، إلا أن حزب العمال الكردستاني ألقى اللوم على الحكومة لإخفاقها في منع ذلك، ونفذ اعتداء ضد قوى الأمن، فاقتحمت منذ ذلك الحين ما لا يقل عن سبع بلدات يفوق عدد سكانها مليون نسمة.

فرضت الحكومة على هذه المناطق السكانية حظر تجول، علماً أن كلا الجانبين يستخدم أسلحة ثقيلة، بما فيها قاذفات الصواريخ ومدافع الهاون، ويتفاخر إردوغان بقتله أكثر من 3 آلاف مقاتل متمرد، فأعلن الجيش قبل أيام أن 225 مقاتلاً من حزب العمال الكردستاني أُرسلوا إلى حي في ديار بكر (مدينة كبيرة) وبلدة مجاورة خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة وحدها، ولكن من الصعب تحديد النطاق الحقيقي للقتال ونتائجه، بما أن الحكومة تستبعد الصحافيين من المنطقة وتخيف وسائل الإعلام التركية.

ولكن من السهل التوصل إلى خلاصتين: لن ينجح إردوغان في التخلص من قوات حزب العمال الكردستاني أو طموحات الأكراد الأتراك بالاستقلال الذاتي، بالإضافة إلى ذلك يعوق إردوغان بمواصلته هذه الحملة القتال ضد داعش، وتمنعت الحكومات الغربية من إدانة الحاكم التركي بسبب هذا الهجوم لأنها ما زالت تعول على تعاونه على جبهات عدة، بما فيها منع تدفق اللاجئين من سورية والسماح للطائرات الحربية الأميركية بالانطلاق من قواعد تركية، إلا أن من الضروري حض إردوغان على إعادة فتح المفاوضات مع القادة الأكراد الأتراك، ولا شك أن تسوية تمنح الأكراد ومجتمعاتهم المزيد من الحقوق السياسية تشكل عنصراً ضرورياً في ما يجب أن يكون حلاً أشمل لطموحات الأكراد في المنطقة.